الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب التاسع من أبواب الكتاب باب الناسخ والمنسوخ

صفحة 53 - الجزء 2

  أخرى، ووجوب ركعة أخرى ليس يدفع إلاَّ نفي وجوبها ونفي وجوبها إنما حصل بالعقل، هذا إذا زيدت الركعة قبل التشهد، وأما إذا زيدت بعد التشهد وقبل التحلل فإنَّه يكون نسخاً لوجوب التحلل بالتسليم، وإنما حكم الشيخ بنسخها لما ذكر الآخر إلاَّ أنه حكم عقلي عنده.

  (و) منها (النقل من تخيير إلى تخيير) كالنقل من التخيير في الكفارات الثلاث إلى أربع، كأن تقول: اعتق أو اكس أو أطعم أو صم، (وهو نسخ، خلافاً للإمام وأبي الحسين)، فزعما أنه ليس بنسخ.

  لنا: تحريم الإخلال بالكفارات الثلاث حكم شرعي، لأنه فرع على إيجابها مخيراً فيها، وإيجابها شرعي، والمتفرع على الشرعي شرعي، فإذا التخيير فيها وفي الأمر الرابع نسخ تحريم الإخلال بالثلاث، لأنه شرعي رفع شرعياً.

  قال أبو الحسين: بل تحريم الإخلال بها حكم عقلي؛ لأنه متفرع على عدم إيجاب الرابعة، وعدم إيجابها عقلي، فإنا نعلم أنه لو كان ثم ما يقوم مقام الثلاث لعَرَّفنا تعالى به، فلما لم يعرِّفنا به قطعنا بتحريم الإخلال بالثلاث بهذا الطريق العقلي، والمتبوع والمتفرع على العقلي عقلي، فلا يكون رفعه نسخاً.

  قلنا: لا نسلم تفرعه عن غير إيجاب الثلاث سلمنا فعدم إيجاب الرابعة لا يستقل بالتأثير في تحريم الإخلال بل بانضمامه إلى إيجاب الثلاث فيكون شرعياً؛ لأن إيجاب الثلاث هو الطارئ المتعقب له تحريم الإخلال بها، فعلق به للمقارنة لأنه أضعف الأصلين، والفرع يتبع الأضعف في الحكم.

  (و) منها النقل (من تخيير إلى تعيين)، كالنقل من تخيير الصوم والفدية إلى تعيين الصوم، ولا شبهة في أن ما هذا حاله نسخ، لجواز الإخلال بأحدهما إلى بدل، ولقبح الإخلال بالثاني إلى غير بدلٍ، ويعني بالثاني الساقط وجوبه، وذلك لأن تعيين أحدهما قد صار لا يجوز الإخلال به، وقد كان قبل ذلك يجوز الإخلال به إلى الواجب الثاني، والواجب الثاني قد يقبح الإخلال به لا إلى بدل، ثم قد جاز الإخلال به مطلقاً.

  فإن قلت: لم عدلت إلى ضرب المثال للنسخ في هذه الصورة لقبح الإخلال به وجواز الإخلال، وقد كنت تجد في المثال ما هو أظهر من ذلك وأوضح، وهو أن التغيير أزال وجوبَ الواجب الآخر، ووجوبُه كان حكماً شرعياً، والتضيق حكم شرعي، وهذا نسخٌ ظاهرٌ فما فائدة العدول إلى المثال الخفي.