فصل: [في الطرق الفاسدة]
  فإن قيل: قال تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، وهو يقضي أن يكون الأخف ناسخاً؟.
  قلنا: قد تقدم الجواب.
  (ولا) يتعين الناسخ (بحداثة الصحابي) خلافاً لمن زعم ذلك؛ لأنه متأخراً لصحبته، فتدل على تأخر ما نقله.
  قلنا: لا يدل لأن منقول متأخر الصحبة قد يكون متقدماً، وبالعكس، اللهم إلاَّ أن تنقطع صحبة الأول قبل صحبة الثاني، فيرجع إلى ما علم ناسخ.
  (ولا) يتعين المنسوخ (بقبله في المصحف) يعني بثبوت إحدى الآيتين في المصحف بعد الأخرى أي لا أنزله، وذلك لأن المصاحف رتبت عل غير النزول، فإنَّه روي أن أول ما نزل سورة اقرأ، وهي مرسومة في أواخر القرآن، خلافاً لمن زعم ذلك نظر إلى أن الأصل موافقة الوضع للنزول.
  قلنا: لكنه غير لازم لجواز المخالفة.
  (ولا) يتعين المنسوخ (بموافقة شرع سالف) خلافاً لزاعمي ذلك نظراً إلى أن النبي ÷ أتى بشرع جديد، وهذا فاسد، إذ لا مانع من أن يأتي شرعه مقرراً لبعض شرائع من قبلنا، وفيه من شرائع من قبلنا كثير، وذلك ظاهر.
  (فإذا لم يعلم ذلك) أي الناسخ والمنسوخ بأي هذه الطرق المتقدمة (فالوقوف) هو الواجب على المكلف (عن العمل بأيهما) أي بأحد المتعارضين لعدم الأمر من أن يكون هذا المنسوخ أو هذا (حتى يظهر مرجح) لأحدهما فنعمل به، وذلك المرجح هو أحد ما قدمناه، وهو (عند من منع التعارض) بين الإمارات (على وجهٍ لا يظهر معه ترجيح) لأحدهما على الآخر، بل لا بد من مرجح لأحدهما، وإن خفي فعلى المكلف الوقف حتى يظهر، (و) الواجب على المكلف (اطراحهما) معاً والرجوع إلى غيرهما من الأدلة كالبراءة الأصلية، (أو التخيير بينهما عند مجوزه) أي مجوز التعارض بين الإمارات كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب التعارض والترجيح.
  [وفي العضد في ذكر الطرق الفاسدة في بيان الطريق إلى تعيين الناسخ: ومنها موافقته لحكم البرآءة الأصلية، فيدل على تأخره من حيث أنه لو تقدم لم يعد إلا ما علم بالأصل فيعرى عن الفائدة الجديدة، وإذا تأخر أفاد الآخر رفع حكم الأصل وهو رفع حكم الأول.