فصل: [في إجماع الأمة]
  يحتمل التأويل عن كل فرد منهم، ومن المستحيل أن يشاهد أهل التواتر جميع المجتهدين شرقاً وغرباً يسمعون منهم وينقلون عنهم إلى أهل التواتر، هكذا طبقة بعد طبقة إلى أن يتصل بنا.
  وقد أجيب عما ذكروه في المقامين بجواب واحد: وهو أنه تشكيك في مصادمة الضرورة، فإنا نعلم قطعاً من الصحابة والتابعين الإجماع على تقديم الدليل القاطع على المظنون، وما ذاك إلاَّ بثبوته عنهم ونقله إلينا.
  وأنت خبير بأنا لا نسلم أنه يثبت ذلك عنهم بنقل كذلك، ولكن لا نعلم أن كل عاقل يقول ذلك كما أنا نعلم إجماع من سيوجد على مثل ما نعلم أن كل عاقل يعلم أن الكل أعظم من الجزء.
فصل: [في إجماع الأمة]
  (وإجماع الأمة حجة عند الجميع) ممن تقدم (مطلقاً)، أي سواء كان من الصحابة أو من غيرهم، قطعياً كان أو ظنياً، في العبادات أو المعاملات، وهذا هو المقام الرابع، وهو النظر في حجته، وإنما كان كذلك (للدليل القاطع) على ذلك.
  واختلف فيه:
  فقال الشافعي: هو قوله تعالى {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ١١٥}[النساء: ١١٥]، فجمع بين مشاقة الرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، فيحرم، إذ لا يجمع بين الحرام والمباح في الوعيد، كالكفر وأكل الخبز مثلاً، فإذا حرم اتباع غير سبيلهم فيجب اتباع سبيلهم إذ لا مخرج عنهما، والإجماع سبيلهم، فيجب اتباعه، وهو المطلوب.
  واعترض عليه: بوجوه كثيرة، ووجه الانفصال عنها مذكور في أحكام الآمدي، وأصعبها ما يُذكر:
  وهو أنا لا نسلم أن مَن للعموم.
  ولو سُلِّمَ، فلا نسلم أن اتباع غير سبيل المؤمنين محظور مطلقاً، بل يشترط الاقتران بمشاقة الرسول.
  ولو سلم، فغير سبيل المؤمنين هو سبيل الكافرين وهو الكفر.
  ولو سلم، فالمؤمنون عام لكل مؤمن، ولو خص في كل عصر فهو عام في العالم والجاهل، ولو خص بأهل العقد والحل فلفظ السبيل مفرد لا عموم له.