فصل: [في إجماع الأمة]
  شيبة بسند صحيح عن أبي مسعود موقوفاً من جملة حديث: «وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة»، إلى غير ذلك، وذلك وإن لم يتواتر لفظاً فقط تواتر القدر المشترك وحصل العلم به كما في شجاعة علي وجود حاتم.
  واعترض: بأنا لا نسلم أنها قد بلغت مبلغاً يحصل معه العلم بمعناها فالقول بذلك مجرد دعوى لا دليل عليها، وإنما تفيد الظن الغالب بذلك، إلاَّ أنه يقتضي وُجوب العمل بها لأن دفع الضرر المظنون واجب إذ ما قضى به الإجماع ودل عليه حكم عملي لا علمي فجاز قبول خبر الواحد فيه، واعتماد هذا الدليل من هذا الوجه هو الذي عول عليه ابن الخطيب.
  قلنا: بل ذلك معلوم قطعاً لمن له فحص ومطالعة في الكتب المصححة في الأحاديث النبوية.
  قال أبو علي: هو قوله تعالى {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[الحج: ٨٧]، فجعلهم بمنزلة الرسول في الشهادة، وهو تعالى لا يختار للشهادة إلاَّ العدل ظاهراً وباطناً؛ لأنا إنما اقتصرنا فيها على الظاهر لعدم اطلاعنا على الباطن، وهو تعالى عالم مطلع على بواطن خلقه، فإذا كانوا مع الاجتماع عدولاً ظاهراً وباطناً لم يقدموا على معصية، وفي ذلك كون إجماعهم حجة.
  واعترض عليه بوجوه: مثل أن الخطاب إنما هو للصحابة، والمقصود التعميم.
  ولو سلم، وجب أن لا يوجد إجماع أصلاً، فإن أمته من اتبعه من لدن بعثته إلى يوم القيامة.
  ولو سلم، فالمراد قبول شهادتها في أهل كل مِلَّة، ولا تقبل شهادة أهل الملل بينهم على بعضهم على بعض، ولا على المسلمين، فأين أحدهما من الآخر.
  ولو سلم، فإنما يقتضي إصابتهم فيما يشهدون به على الأمم لا فيما يقولون به، والشهادة إنما تكون في الآخرة، ولا شبهة في بعدهم حينئذ عن المعصية، فثبتت عدالتهم حينئذ، فلا يدل على أن إجماعهم في الدنيا حجة.
  ولو سلم، فإن تعديله تعالى إياهم لا يمنع من مواقعة الصغائر، كما أن عصمة الأنبياء لم تمنع من ذلك، ولعل ما اتفقوا عليه خطأ لذلك.
  وقال القاضي: هو قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء: ٥٩]، لأنه تعالى جعل التنازع شرطاً في الرجوع إلى كتابه وسنة رسوله، فاقتضى أن