الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب العاشر من أبواب الكتاب باب الاجماع

صفحة 71 - الجزء 2

  المؤمنين وأولي الأمر منهم إن لم يتنازعوا في شيء من أمور الدين لم يرجعوا فيه إلى أحد، وما ذاك إلاَّ لإصابتهم، فتثبت عصمتهم حينئذ من الخطأ فيكون اتفاقهم حجة.

  واعترض: بأنه يقتضي حجته في حياته ÷، ولا قائل بذلك، وإذا كان متروك الظاهر لم يثبت به أصل من الأصول.

  ولو سلم، فاقتضاء ما ذكر متوقف على أن الآية أفادت عدم الرد عند عدم الاختلاف، وذلك مفهوم دلالة غير قاطعة قطعاً، ولا يصلح إسناد حجته مثل الإجماع إلى ظاهر، والقطع من ذلك على مراحل، فإنَّه فرع ثبوت المفهوم، وإن ثبتت فتظاهر.

  ولو سلم، فهو يقتضي الرجوع في الإجماع للمنازعة إلى غير الآية لا إليها.

  ولو سلم، فلا يؤخذ بها في تلك للمنازعة في اقتضائها له، على أن الخصم قد احتج بها على أنه لا يكون حجة لاقتضائها أنه لا مرجع غير الكتاب والسنة، وشيء من الاعتراضات المذكورة على أدلة الإجماع قد دفعت في المطولات.

  وإذا عرفت أنه حجة فهو حجة (شرعية فقط) لا عقلية؛ لأن دليلها إنما هو السمع كما بيناه، (خلافاً للشذوذ) منهم عبد الملك الجويني، فزعموا أنه حجة شرعية وعقلية.

  مستدلين: بأن الإجماع يدل على وجود دليل قاطع في الحكم المجمع عليه؛ لأن العادة تقضي بامتناع إجماعهم مثلهم على مظنون، فيكون الحكم حقاً وهو المطلوب.

  وأجيب: بأنا لا نسلم قضاء العادة بذلك، وإنما يمنع اتفاقهم على مظنون إذا دق فيه النظر، وأما القياس الجلي وأخبار الآحاد بعد العلم بوجوب العلم بالظواهر.

  (و) لما قام الاتفاق من العلماء على أن الإجماع حجة قيل: فقد خالف النظام والإمامية والخوارج.

  قلنا: (لا اعتداد بمن قال: ليس بحجة مطلقاً) أي لا من الصحابة ولا من غيرهم، (كالإمامية والنظام والخوارج)، لأنهم قليلون من أهل الأهواء والبدع، قد نشأوا بعد الاتفاق.

  مستدلين أولاً: بقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}⁣[النحل: ٨٩]، فلا يرجع في بيان الأحكام إلاَّ إليه، والإجماع غيره.

  قلنا: لا تنافي كون غيره أيضاً تبياناً، ولا كون الكتاب تبياناً لبعض الأشياء بواسطة الإجماع.

  وإن سلم، فغايته الظهور، فلا يقاوم القاطع.