الباب العاشر من أبواب الكتاب باب الاجماع
  وثانياً: لما سأل النبي صلى الله عليه معاذاً عن الأدلة أهمله ولم يذكره، وقرره رسول الله ÷، فدل على أنه ليس بدليل.
  قلنا: إنما لم يذكره لأنه حينئذ لم يكن حجة لعدم تقرر المأخذ من الكتاب والسنة، فلا يلزم أن لا يكون حجة بعد الرسول وتقرر المأخذ.
  إذا عرفت هذا: فلا اعتداد بمن قال بما سبق، (أو) من قال إنه ليس بحجة (من غير الصحابة، كالظاهرية)، فإنهم زعموا: أنما هو حجة في زمن الصحابة لا من بعدهم.
  لنا: أن إجماع غير الصحابة إجماع الأمة فوجب اعتباره بالأدلة السمعية من نحو {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ}، «لا تجتمع أمتي على الخطأ».
  قالوا: انعقد إجماع الصحابة قبل مجيء التابعين وغيرهم فيما لا دليل قاطع فيه من الأحكام أنه يجوز فيه الاجتهاد، والأخذ بما أدى إليه الاجتهاد من كلا الطرفين، فلو أجمع غيرهم من بعدهم على شيء لم يجز فيه الاجتهاد، والأخذ بغير ما عليه الإجماع، فأدى إلى بطلان الإجماع الأول، أو إلى تعارض الإجماعين، وكلاهما باطل.
  قلنا: لو صح ما ذكرتم لزم أن لا يصح إجماع الصحابة على شيء من المسائل المختلف فيها، لأنهم قد أجمعوا على جواز الاجتهاد فيها، فلو أجمعوا على شيء منها لزم بطلان الإجماع الأول أو تعارض الإجماعين، لأن الإجماع الأول يقتضي جواز الأخذ في تلك المسألة بما أدى إليه الاجتهاد، والإجماع الثاني ينفيه ويقتضي وجوب الأخذ بما أجمعوا عليه فانتقض دليلكم، والحل أنه يجب أن يكون المجمع عليه منهم مشروطاً بعدم القاطع فمتى انتفى الشرط وظهر الإجماع انتفى المشروط وهو جواز الأخذ بما أدى إليه الاجتهاد، فيحكم الآخر بما أجمع عليه، فلا يلزم شيء من الأمرين.
  (أو) من قال إنه ليس بحجة (إذا كان ظنياً).
  لنا: أن الدلالة قد قامت على حجيته كيف كان.
  قالوا: الإجماع قطعي فلا يثبت بخبر الواحد.
  قلنا: وقول الرسول قطعي وهو يثبت بخبر الواحد.