فصل: [في إجماع الأمة]
  يكفينا فيما نحن بصدده، معتمداً لورود معناه بعبارات مختلفة فيها كثرة من جهاتٍ متعددة تفيد العلم به، لأنها دثرة، يعرف ذلك من فحص وأنصف، لا من حاد عن جادة السبيل وتعجرف.
  واعترض: بعدم تسليم التواتر، وهو عناد، وبأنه لا يقتضي خطأ المكلف؛ لأنه فرع ثبوت المفهوم، فلا نقول به، ولو سلم فغايته الظن، وهو لا يجدي فيما نحن بصدده وهو يلزمهم مثله في الكتاب إذ هم قرناه، وأن ذلك باطل إجماعاً، وبأنه متروك الظاهر؛ لأن مقتضاه خطأ اتباع الكتاب وحده لإفادة الواو الجمعية، وهو خلاف الإجماع، وهذا ساقط لمنع انفراد الكتاب، إذ هم قرناه.
  وبأنا لا نسلم أن العترة من ذكر بل هم الأقارب على العموم، لقول أبي بكر يوم السقيفة في مراجعة الأنصار في أمر الإمام: (نحن عترة رسول الله ÷ وبيضته التي تتفات عنه)، فلولا أن العترة الأقارب كافة لما قال ذلك وهو عربي اللسان، ولو لم يكن إلاَّ الأولاد لأكذبه الحاضرون.
  وأجيب: بأنا لا نسلم أن العترة الأقارب مطلقاً بل هم الأبناء بدليل قوله:
  إذا عترت القرم الشريف تفاخرت ... لصلب أب من حي سعد ودارم
  ولأن العترة من العتيرة، وهي الكرمة التي يخرج منها العنقود في العنب، فلما كانت العترة كذلك علمنا أنهم إنما استعاروها لما يشبه ذلك وهي الذرية، ولأن أئمة اللغة نصوا على أن العترة هم الأقارب الأقربون، ولا أدنى من الذرية، وإجماع أهل كل فنٍّ حجةٌ فيما أجمعوا عليه باعتبار التواتر لا باعتبار الإجماع، ولا شك في أن أبا بكر إنما يجمعه السابع من آباء رسول الله، فيحمل قوله على التجوز شبيهاً للقبيلة بالذرية بوجه الاختصاص.
  فإن قيل: يلزمهم خروج علي لأنه ليس من الذرية.
  قلنا: أدخله مجازاً خبر الكساء؛ لأنه قد أخبرنا عن العترة بأنهم أهل البيت، وهو منهم.
[حديث السفينة]
  وقوله: «أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»، وقد جاء هذا الحديث من طرق يقوي بعضها بعضاً: