فصل: [في دلالات اللفظ]
  ومن فسرها بفهم المعنى منه إذا أطلق لم يشترط؛ إذ يكفي الفهم والانتقال في الجملة لا دائماً، وهذا مراد أهل الأصول والبيان.
  وتقييد اللزوم بالذهني إشارة إلى أنه لا يشترط اللزوم الخارجي، وقد أكد تلك الإشارة بالتصريح بقوله: (وإن لم يكن) ذلك اللزوم من الموضوع له أو المدلول الالتزامي (خارجياً)، يعني أن المعتبر هو اللزوم الذهني سواء كان مع ذلك لازماً في الخارج، ككون الاثنين ضعف الواحد، أو لا بأن يكون بينهما معاندة في الخارج كالعمى، فإنه يدل على البصر بالالتزام؛ لأنه عدم البصر عمَّا من شأنه أن يكون بصيراً مع التنافي بينهما في الخارج(١).
  وقوله: (في الأصح) إشارة إلى أن ثَمَّ من يشترط اللزوم الخارجي، كما صرح به بعض شراح مختصر ابن الحاجب وهو غير سديد؛ لأن الجوهر والعرض متلازمان، ولا يستعمل اللفظ الدال على أحدهما في الآخر، والضدان متنافيان، وقد يستعمل اللفظ الدال على أحدهما في الآخر كقوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[الشورى: ٤٢].
  نعم، قال الشيخ لطف الله: إنه لا قائل بهذا فيكون قوله في الأصح متعلقاً بقوله: شرط اللزوم كونه ذهنياً، ويريد باللزوم معتبر المنطقيين المتقدم، وتكون الإشارة بالأصح إلى خلاف الأصوليين وأهل العربية، وإن كان الأنسب الجُريَّ على كلامهم.
  (وقد تسمى الثلاث وضعيَّة) لا بمعنى أن اللفظ موضوع لذلك المدلول بالإستقلال، ولا بمعنى أنَّه موضوع له بالإستقلال أو بالمشاركة، بل بمعنى أن للوضع مدخلاً فيه: إما بمعنى أنه موضوع بإزائه كما في المطابقة، أو بأنه جزء الموضوع له كما في التضمن، أو بأنه يلزم من فهم الموضوع له فهمه كما في الإلتزام، وهذا مصطلح المنطقيين.
  قال شيخنا: وفيه مع ما تقدم مناقضة.
  وأقول: الذي غر السيد | قول بعض الأصوليين - كما ستقف عليه إنشاء الله تعالى - أن دلالة التضمن والالتزام منطوقة، وإذا كانت كذلك كانت وضعيَّة كما قاله أهل المعاني في أن
(١) فإن قيل: البصر جزء مفهوم العمى، فلا تكون دلالته عليه بالإلتزام بل بالتضمن.
قلنا: العمى عدم البصر، لا العدم والبصر، والعدم مضاف إلى البصر بكون البصر خارجياً عنه، يكون المضاف خارجاً عن المضاف إليه، والله أعلم. تمت.