الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب العاشر من أبواب الكتاب باب الاجماع

صفحة 83 - الجزء 2

  لاحتمال رجحان مأخذ المخالف حتى يظهر عدمه، أو وقَّره فلم يخالفه تعظيماً له، أو هاب المفتي أو الفتنة، كما نقل عن ابن عباس في مسألة العول أنه سكت أولاً ثم أظهر الإنكار، فقيل له في ذلك، فقال: (إنه والله كان رجلاً مهيباً)، يعني عمر، ومع قيام الاحتمالات لا يدل على الموافقة، فلا يكون إجماعاً ولا حجة.

  وقد أجيب: بأنها وإن كانت محتملة فهي خلاف الظاهر لما علم أن من عادتهم عدم ترك السكوت في مثله، كقول معاذ لعمر - لما رأى جلد الحامل -: ما جعل الله على من في بطنها سبيلاً، فقال: لولا معاذ لهلك عمر، وكقول امرأة - لما نهى عن المغالاة في المهور -: أيعطينا الله بقوله: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} وتمنعنا يا عمر، فقال: كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت، وغير ذلك مما وقف عليه المتتبع لآثار الفقهاء.

  قالوا: سكوتهم دال على رضاهم واعتقادهم للصواب، إذ يبعد سكوت الكل مع اعتقاد المخالف عادة، وليس هناك سبب يفيد كما يرى عليه الناس، فكان ظاهراً في الموافقة، فكان إجماعاً.

  قلنا: هذا لا يصح مع قيام الاحتمالات لحرمة الإنكار عند أكثرها، سلمنا فالظهور لا يكفي في كونه إجماعاً قطعياً، بل في كونه حجة، وأنتم لا تقولون به.

  الجبائي قال: قبل انقراض العصر الاحتمالات المذكورة قوية، فلا يكون إجماعاً، وأما بعده فتضعف الاحتمالات فيكون ظاهراً في الموافقة، فيكون إجماعاً.

  المهدي قال: العادة تقضي مع عدم التقية أن ينكر المخالف لو كان، ويظهر حجته كما قدمنا، فيكون ذلك في إفادة الإتفاق ظناً كالإجماع الآحادي، وحينئذ بتنهض دليل السمع، فإنَّه سبيل المؤمنين، وقول كل الأمة، وبالجملة فليس الظنّ الحاصل به دون الحاصل بالقياس وظواهر الأخبار، فوجب العمل به، والاحتمال إنما يقدح في القطعية دون الحجيّة كالقياس وخبر الواحد.

  قلت: وهذا الحق والإنصاف.

  ابن أبي هريرة قال: العادة في الفتيا أنها تخالف، ويبحث عنها دون الحكم، فإن كلاّ يحكم بما يراه، فيتبع ولا يخالف كما نرى في عصرنا، وأيضاً الحاكم يهاب ويوقر دون المفتي.