فصل: [في ذكر من يعتبر في الإجماع ومن لا يعتبر]
  إذا عرفت هذا فليس بإجماع كما سبق، (ولا بحجة، خلافاً للأشعرية) فزعموا أنه إذا ندر المخالف مع كثرة المجمعين كإجماع من عدا ابن عباس على العول لم يكن قول من عدا ذلك المخالف إجماعاً قطعياً بمعنى أنه لا يكفر جاحده، وذلك لما ذكرنا، وأنه يكون حجة يجب على المجتهد العمل به، إذ يدل ظاهراً على وجود راجح أو قاطع؛ لأنه لو قدر كون متمسك المخالف النادر راجحاً والكثيرون لم يطلعوا عليه، أو اطلعوا وخالفوه غلطاً أو عمداً كان في غاية البعد، وإن كان ممكناً في نفسه بأن يطلع الواحد على ما لم تطلع عليه الجماعة.
  قلنا: لا وجه لهذا الاستبعاد؛ لأن الحق لا يعرف بالرجال إنما يعرف الرجال بالحق، وكم مدح الله القلة وذم الكثرة، فلا وجه لما ذكروه.
  (وقيل) قول أهل العصر إذا خالفهم واحد أو أكثر (إجماع ما لم يبلغوا) أي المخالفون (عدد التواتر) فإن بلغوه خرم قولهم الإجماع، وإن كان غيرهم أكثر منهم.
  وقال (الإمام) يحيى، (و) الإمام الموفق بالله، (أبو عبد الله)، الحسين بن إسماعيل (الجرجاني(١))، الذي قال فيه بعض علماء الجيل والديلم: هو أفقه من القاسم بن إبراهيم، وهو ممن بايع المؤيد بالله، بل قول الأكثر من أهل العصر: (إجماع) وإن خالف الأقل (ما لم يسوغوا له الخلاف) بأن تركوا الإنكار عليه، وهذا كابن عباس في مسألة العول، فإنهم سوغوا له ذلك فلا إجماع، ومثله قوله في المتعة فإنهم لم يسوغوه له فكان إجماعاً، وإلا فمع الإنكار عليه وعدم التسويغ له، هم حاكمون ببطلان قوله، فلا عبرة به بخلاف قوله مع التسويغ، وهذا فاسد إذ العبرة بصحة القول عند القائل به لا عند المخالفين، فإن كلا يدعي أنه الموافق وأنه المصيب وأن غيره لم يصب.
(١) الإمام الموفق بالله، الحسين بن إسماعيل بن زيد بن الحسن بن جعفر بن محمد بن جعفر بن عبدالرحمن الشجري بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع)، أبو عبدالله، المعروف بالجرجاني، الشجري، أحد أئمة الزيدية في الجيل والديلم، أحاط بفقه المذاهب، وبلغ القمة في علم الكلام، واللغة، والفقه، حتى قيل: هو أفقه من القاسم بن إبراهيم الرسي، عاصر الإمامين الأخوين المؤيد بالله أحمد بن الحسين، وأخاه أبا طالب يحيى بن الحسين الهاروني، وروى الحديث عن: مشاهير المحدثين في عصره، وعنه: تخرج ولده الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين صاحب الأمالي الأثنينية والخميسية، أخباره كثيرة، ومناقبه وفيرة، وفاته بعد سنة (٤٢٠) هـ تقريباً، له كتاب الإعتبار وسلوة العارفين.