الباب العاشر من أبواب الكتاب باب الاجماع
  مسألة:
  (ولا) يعتبر في انعقاد الإجماع (العوام) الصرف الذي لا هداية لهم (خلافاً لأبي عبد الله والباقلاني)، فقالا: إنه يعتبر بهم، وإن لم يكونوا من أهل النظر ولا ممن يرجع إليه.
  لنا: لو اعتبر وفاقهم لم يثبت إجماع؛ لأن العادة تمنع وفاقهم، وأيضاً فلا يمكنهم الاستدلال والنظر فيه؛ لأنهم ليسوا أهلاً لذلك.
  قالوا: لم يفصل الدليل، ولا ملجئ إلى التخصيص، فإنهم وإن لم يكونوا من أهل النظر والاستدلال فإن لهم طريقاً إلى الموافقة بالتقليد والرضى والاجتهاد عند البغدادية.
  قلنا: عموم الدليل مخصوص من جهة العقل، فإنا نعلم أنه لا تأثير للانقياد من غير انعقاد حاصل عن نظر واجتهاد، إذ يسمون متابعين لا قائلين، فلا ينظر إليهم ولا يعول في ذلك عليهم.
  (واختلف فيمن لم يبلغ درجة الاجتهاد كالمحدِّث) أي الذي فنُّه علم الحديث ومعرفة طرقه وعلله وأحكامه:
  (فقيل: يعتبر ذلك) أي الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد في الإجماع، فلا ينعقد إلاَّ لموافقته (مطلقاً) أي سواء كان متكلماً أو أصولياً أو فروعياً أو غيرهما، وسواء كان الإجماع في فنِّه أو في غير فنه، وهذا القول هو الذي يشعر به كلام الإمام يحيى بن حمزة.
  (وقيل: لا يعتبر مطلقاً) أي سواء كان متكلماً إلخ الأقسام، وهذا القول هو أحد قولي المنصور بالله.
  (وقيل: يعتبر) ممن ذكر في انعقاد الإجماع (الأصولي) لكونه أقرب إلى مقصود الاجتهاد لعلمه بمدارك الأحكام على اختلاف أقسامها، وكيفية دلالتها، وكيفية تلقي الأحكام من منطوقها ومفهومها ومعقولها إلى غير ذلك بخلاف غيره.
  (وقيل) يعتبر في الاجتهاد (في الفروعي) أي الذي له دراية ومعرفة بالفروع، أي الفقه لعلمه بتفاصيل الأحكام دون الأصولي.
  (والمختار: أن) يفصل فيقال: (الحكم المجمع عليه إن كان من فنه) أي من فنه الذي لم يبلغ درجة الاجتهاد، (أو) لم يكن من فنه لكنه (يتمكن من النظر فيه) أي في ذلك الفن الذي الحكم المجمع عليه فيه (اعتبر) ذلك العالم في الإجماع على ذلك الحكم، (وإلا) يكن من فنه ولا يتمكن من النظر فيه (فلا) يعتبر حينئذ في الإجماع.