فصل: في الكلام في اللفظ وهو باعتبار ما وضع له
  (و) ذلك أنهم اختلفوا في اللفظ الدال على أمر خارجي هل وضع له، أو للصورة الذهنيَّة، أو لما هو أعم منهما:
  فمنهم من قال: (هو موضوع للمعنى الخارجي)؛ لأنَّه مستقر الأحكام؛ لأن المخبر بقوله: جاء رجل، إنما قصد الإخبار بمجيئه في الخارج.
  (وقيل: للذهني)، والقائل بذلك الرازي والبيضاوي في منهاجه حيث قال: وضع يعني اللفظ بإزاء المعاني الذهنيَّة، فبواسطة ذلك يدل على المعنى الخارجي.
  قال الأسنوي: وحاصله: أن الوضع للشيء فرع عن تصوره، فلا بد من استحضار صورة الإنسان مثلاً في الذهن عند إرادة الوضع له، وهذه الصورة الذهنيَّة هي التي وضع لها لفظ الإنسان.
  واحتجوا عليه: أمَّا في المفردات: فإننا وجدنا إطلاق اللفظ دائر مع المعاني الذهنيَّة دون الخارجيَّة، بيانه: أنا إذا رأينا جسماً من بعيد فظننا أنه حجر سميناه بهذا الاسم، فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان لكن ظنناه طيراً سميناه به، فاختلاف الاسم عند اختلاف الصورة الذهنيَّة يدل على أن اللفظ لا دلالة له إلا عليها.
  وأمَّا في المركب: فلأنك إذا قلت قام زيد، فهذا الكلام لا يفيد قيام زيد، وإنما يفيد أنك حكمت بقيام زيد وأخبرت عنه، ثُمَّ إن عرفنا أن ذلك الحكم واقع في الخارج استدللنا بِه على الوجود الخارجي، فأما أن يكون اللفظ موضوعاً لما في الخارج فلا.
  وقد أجيب: بأن اختلاف الاسم يظن أنه في الخارج كذلك لا لمجرد اختلافه في الذهن، فالموضوع له ما في الخارج، والتعبير عنه تابع لإدراك الذهن له حسب ما أدركه، وأيضاً يلزَم أن يكون استعمال اللفظ في المعنَى الخارجي مجازاً.
  قال الأصفهاني في شرح المحصول: من نفي الوضع للمعنى الخارجي فإن أراد أنها لم توضع للدلالة على الموجودات الخارجيَّة ابتداءً من غير توسط الدلالة على المعنى الذهني، فهذا حق؛ لأن اللفظ إنما يدل على وجود المعنى الخارجي بتوسط دلالته على المعنى الذهني، وإن أراد أن الدلالة الخارجية ليست مقصودة من وضع اللفظ فباطل؛ لأن المخبر إذا أخبر غيره بقوله: جاء زيدٌ فإن قصده الإخبار بمجيئه في الخارج.