فصل: [في مستند الإجماع]
  وقال (أئمتنا والجمهور) من العلماء: إنه يصح الإجماع عن مستند إمارة (ولو) كانت الأمارة (اجتهاداً) بالمعنى الأخص، وهو ما لا أصل له معين يرجع إليه، (أو قياساً) وهو ما له أصل معين يرجع إليه، فيجوز أن يكونا مستند الإجماع (كتحريم شحم الخنزير) فإنَّه مجمع عليه، ومستند الإجماع قياس شحمه على لحمه، وكحد شارب الخمر ثمانين، فإنَّه قيل إن مستنده اجتهاد أمير المؤمنين # حيث قال: (إذا شرب سكر، وإذا سكر هذر، وإذا هذر افترى، فأرى عليه حد المفترين)، واجتهاد عبد الرحمن حيث قال: (هو حد، وأقل الحد ثمانون)، وقد يُنازع في الأخير هل مستنده النص؟، كما حققه شارح الفتح.
  (خلافاً لابن جرير والظاهرية) قالوا: لا يجوز وقوعه عنهما، بل لا يقع إلاَّ عن غيرهما، فهؤلاء منعوا الوقوع والجواز.
  (وقيل: لم يقع عنهما، وإن كان ممكناً في نفسه).
  وقال (بعض الشافعية: يجوز) أن يكون مستند الإجماع قياساً لا على الإطلاق بل (إن كان جلياً لا) إن كان (خفياً) فلا يجوز وقوع الإجماع عنه.
  لنا: القطع بجوازه لأنه لو فرض لم يلزم منه محال للآية، وذلك كغيرهما من الإمارات من خبر الواحد والمتواتر الظني الدلالة، إذ لا مانع يقدر إلاَّ كونه مظنوناً، فيقال: كيف يتصور حينئذ الاتفاق مع اختلاف القول وتباين الأنظار، والاختلاف في معاني الألفاظ وتباعد الأقطار، وقد وقع الاتفاق على مثل ذلك في الخبر، وهو مظنون، كذلك فكذا هنا إذ لا فارق.
  وبأنه لم يفصل الدليل الدال على أن الاجتهاد حجة بين المجتهد الواحد والأمة في أنه يصح له الاحتجاج به دونها، فبطل ما زعمتم، وثبت ما قلنا، والظاهر الوقوع كما سبق.
  (فأما تمثيل ذلك بإمامة أبي بكر) حيث ادعى أن مستند الإجماع قياسها على إمامة الصلاة فقيل: رضيناك لأمر ديننا أفلا نرضاك لأمر دنيانا، (فمخالف للمعلوم ضرورة، للقطع فوقوع الخلاف فيها)، فإن خلاف سعد بن عبادة، واثني عشر رجل من الأنصار مشهور غير منكور، وكذا خلاف أمير المؤمنين والزبير وغيرهما حتى اتفق أن علياً # لم يبايع إلاَّ بعد موت فاطمة، (واستمراره سلفاً وخلفاً) حتى إلى وقتنا، فإين الإجماع؟!.