فصل: [في مستند الإجماع]
  يلزم منه الخطأ؛ لأن القول في المسألة بلا دليل وإمارة خطأ، فلو أجمع لا عن مستند أجمعت الأمة على الخطأ.
  ورد: بالمنع، لجواز أن يوفقهم الله لاختيار الصواب.
  وقيل: يستلزم جواز الخطأ، فإن القول بلا دليل قد يكون حقاً، واللازم باطل؛ لأنه يقدح في عصمة أهل الإجماع عن الخطأ على ما ثبت بالأدلة السمعية.
  واعترض: بأنه إنما يلزم جواز الخطأ لو لم يقع الإجماع، فأما إذا وقع فالله سبحانه يوفقهم لاختيار الصواب قطعاً، بحيث يستحيل الخطأ على ما دلت عليه الأدلة السمعية.
  وأيضاً لو صح هذا لزم أن لا يصح الإجماع عن سند ظني لاستلزامه جواز الخطأ.
  (وقيل) بل (يجوز) للأمة أن يجمعوا جزافاً، (إذ هم مفوضون، وللصواب معرضون) فلهم أن يحكموا بما شاءوا من دون مستند؛ لأن الله سبحانه وفقهم لاختيار الصواب.
  قلنا: لا نسلم ذلك، فإنَّه مجرد دعوى لا دليل عليها، فلا يلتفت إليها.
  قالوا: لو كان عن مستند لاستغني به عن الإجماع ولم يكن للإجماع فائدة.
  قلنا: فائدته سقوط البحث وحرمة المخالفة.
  وأيضاً فإنَّه يقتضي أن يجب أن لا يكون لا عن مستند وذلك لم يقل به أحد.
  قالوا: قد وقع الإجماع لا عن دليل، وذلك في بيع المراضاة من غير عقد، وأجرة الحجام، وأخذ الخراج.
  قلنا: بل ذلك عن دليل، أمّا بيع المراضاة فلتقرير الرسول ÷، ولأن العادة أجرت المراضاة مجرى العقد في الدلالة على الرضا، وكذلك أجرة الحجام، وأما أجرة أخذ الخراج، فذلك حكم ثابت للإمام في أنه يأخذ ويترك بحسب ما يراه من المصلحة، بالقياس عن النبي ÷، لأنه لم يقسم منازل مكة وآبار هوازن ومناهلهم، سلمنا أن لا دليل ظاهر كما ذكرنا موجود، فغاية ما في الباب أن هذه الصورة لم ينقل فيها دليل إليكم ولا إمارة، ولا يمكنكم القطع بأنهما كانا غير موجودين، فلعلهما كانا موجودين لكنهم تركوا نقلهم للاستغناء بالإجماع عنهم، (و) هذا القول (مرجعه إلى قول مؤيس بن عمران) من أصحاب النظام، واسمه موسى لأن قول مؤيس: أن المكلف متى بلغ رتبة الاجتهاد فقد صار مفوضاً من جهة الله تعالى يحكم في الحادثة بما شاء من دون نظر في دلالة أو إمارة، وأما ما قضى به في