الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في مستند الإجماع على موجب الخبر المتواتر أو الآحادي]

صفحة 107 - الجزء 2

  مقتضاه، وهذا يوجب القطع بأنه مستندهم لا محالة، إذ المتأخر من الخبرين المتفقين في المعنى هو المتقدم لا محالة، ولا يضر تغاير طريق النقل وتغاير الألفاظ.

  قال المهدي: هذا تحقيق ما ذكره أبو هاشم، ولعمري إن نظره فيها دقيق أقرب إلى التحقيق، لكن بشرط أن لا نقول بالقطع على أنهم أجمعوا لأجل هذا الخبر من جهة لفظه ومن جهة طريقه، إذ يجوز تكذيب أحد الراويين دون الآخر، وإن وافق ما جاء عن الآخر.

  فإن قيل: إنا نحصل القطع بأنه المستند حيث لم ينقل إلينا تواتره بينهم إلاَّ من طريق الآحاد، وخبر الواحد لا يثمر العلم فضلاً عما ينبني عليه.

  قلنا: ذلك على جهة الفرض، بمعنى أنا إذا فرضنا أنه تواتر للمجمعين ما نقل إلينا آحاداً، فإنا نقطع بأنه مستندهم على جهة الفرض لا على جهة التحقيق.

  احتج أبو عبد الله: بأن إجماعهم لأجله يستلزم تواتره إلينا.

  قلنا: لا نسلم أن إجماعهم لأجله يستلزم تواتره إلينا لجواز أنهم أجمعوا لأجله، ثم استغنوا بنقل الإجماع، ولو قال لأنه لا مانع من أن يكونوا أجمعوا لخبر غيره لكان أجود.

  قال المهدي: ويلزم أبا عبد الله من احتجاجه أنه إذا كان الخبر صريحاً فيما أجمعوا عليه ولم يتواتر إلينا أن نقطع أنهم لم يجمعوا لأجله، لأن عدم تواتره دليل على عدم إجماعهم لأجله، وهو ضعيف جداً.

  (وإن) كان متواتراً ولكن (لم يكن نصاً جلياً) بل كان عموماً ونصاً خفياً، والحاصل في هذا أنه ما احتيج في الاستدلال به إلى نظر وتأمل، (جاز أن يكون مستنده أو غيره من الأدلة) قطعية (أو إمارة) ظنية، وإنما لم يقطع بأنهم أجمعوا لأجله؛ لأنه لا يمتنع أن يكونوا أجمعوا لأجل خبر متواتر هو أجلى منه ولم ينقل اكتفاء بالإجماع، واستدل به بعضهم واستدل الباقون بخبر أو قياس، هذا إذا كان متواتراً.

  (وأما الآحادي) المجمع على موجبه (فإن علم أنهم أجمعوا لأجله) وذلك (بأن نصوا على ذلك) أي على أنهم أجمعوا لأجله، (أو تنازعوا) في الحكم (أوتوقفوا) فيه (ثم) بعد ذلك (انقطع النزاع) وذلك كخبر الغسل من التقاء الختانين، فإنهم تنازعوا فيه حتى روي الخبر فأجمعوا لأجله، (أو) انقطع (التوقف عنده) وذلك كحديث عبد الرحمن بن عوف، فإن الصحابة توقفوا في أحكام المجوس حتى حدث عبد الرحمن بحديثه، فأجمعوا لأجله، (أو عرف بالنظر أنه المستند) وذلك بأن لا يوجد للحكم وجه يقتضيه في العقل ولا في الكتاب ولا في السنة ولا في الاجتهاد،