فصل: في الكلام في اللفظ وهو باعتبار ما وضع له
  قلت: لكن المثال غير قويم لما أن الخلاف إنما هو في اسم الجنس أي في النكرة لا في المعرفة، فإن منه ما وضع للمعنى الخارجي كزيد وللذهني كأسامة.
  (وقيل): إنه موضوع (للمعنى من حيث هو هو)، والقائل الشيخ الإمام والد مصنف جمع الجوامع، أي من غير تقييد بالمعنى الذهني والخارجي، فعلى أيهما أطلق فقد أطلق على ما وضع له، وحاصله: أنه موضوع للقدر المشترك بينهما؛ إذ لو أراد بقيد الحيثية التقييد لزم أن يكون استعماله في كلٍّ من الذهني والخارجي مجازاً.
  واستدلَّ عليه: بأن حصول المعنى في الخارج والذهن من الأوصَاف الزائدة على المعنى، واللفظ إنما وُضع للمعنَى من غير تقييد بوصف زائد، فاستعماله في المعنى في ذهنٍ كان أو في خارج حقيقي على هذا دُون الأولين.
  والمسألة الثانية: أنه (لا يجب أن يوضع لفظ لكل معنى)، لأن المعاني التي يمكن فهمها غير متناهية، فإن أنواع الروائح مع كثرتها جداً ليس لها ألفاظ لعدم انضباطها، ويُدل عليه بالتقييد كرائحة كذا وليست محتاجة إلى الألفاظ، وكذا أنواع الآلام (إلا فيما) أي في كل معنى (دعت إليه الحاجة)، فيجب أن يوضع لكل معنَى لفظ فيه كالعموم والخصوص، مثل كلّ ومن وما والناس وبعض وإلاَّ ونحو ذلك، ليحصل المقصد من وضع الواضع، ولو قال المؤلف لكل معنى لفظ لكان أظهر في المقصد؛ لأن في عبارته إيهام أن المقصد أنه لا يجب أن يوضع لفظ واحد لكل معنى، وليس ذلك بمراد، وكأنَّ المقصد بذكر هذا الإشارة إلى بطلان احتجاج من أوجب الاشتراك كما سيأتي بأنه لا بد لكل معنى من لفظٍ.
  والمسألة الثالثة: قال الرازي في المحصول في الكلام في اللغات: البحث الرابع: أن اللفظ المشهور المتداوَل بين الخاصة والعامّة لا يجوز أن يكون موضوعاً لأمر خفي لا تعرفه إلا الخواص، كما يقول مثبتوا الأحوال(١) من المتكلمين: الحركة معنى توجب للذات كونه متحركاً، فنقول: المعلوم عند الجمهور ليس إلا نفس كونه متحركاً، فأمَّا أن متحركيته حالة معللة بمعنى وأنها غير واقعة بالقادر، فذلك لو صح القول به لما عرفه إلا الأذكياء من الناس بالدلائل الدقيقة، ولفظ الحركة متداولة فيما
(١) وهي الواسطة بين الموجود والمعدوم، والقائل بذلك الباقلاني والجويني في قوليهما، كبعض المعتزلة بثبوتها كالعالمية والكونية للسوادية، وعلى نفيها ذلك ونحوه من المعدوم أمر اعتباري. تمت من حاشية الأصل.