فصل: [في حجية قول أمير المؤمنين علي # وفعله]
[الكلام في أمور اختلف في حجيتها]
  (ولا حجة في قول غيره)، أي علي # (من الصحابة) على مثله إجماعاً كما ذكره ابن الحاجب، وكذلك على غيره (خلافاً للشافعي) وحكى ابن الحاجب عنه وعن أحمد أن لهما قولين في أنه حجة مقدمة على القياس، (ومحمد) ابن الحسن (وأبي علي وأبي عبد الله وبعض المحدثين) فزعموا أنه حجة، وخلافاً (لأبي حنيفة إن خالف القياس) فزعم أن قوله مع مخالفته حجة.
  قلنا: لا دليل على كونه حجة بالأصل، فوجب تركه؛ لأن إثبات الحكم الشرعي من غير دليل لا يجوز.
  قلنا أيضاً: لو كان مذهبه حجة لكان قول الأعلم الأفضل حجة على غيره، وهو باطل بالإجماع.
  وبيان ذلك: أنه لا شيء يقدر في الصحابي موجباً لكون قوله حجة على غيره، إلاَّ كونه أعلم وأفضل من الغير بمشاهدة الرسول # وأحواله، ولو كان ذلك موجباً لاستلزم الحجية في قول كل أعلم وأفضل من غيره.
  وحاصله: قياس السبر، ودعوى الحصر، ونفي الغير ضرورة، فيصير قطعياً.
  الشافعي ومن معه قالوا: قال ÷: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وكون الاقتداء بهم اهتداء هو المعنى بحجيته.
  قلنا: الحديث ضعيف، سلمنا، فالمراد المقلدون لأن خطابه ÷ للصحابة، وليس قول بعضهم حجة على بعض بالإجماع.
  أبو حنيفة قال: إذا خالف القياس فلا بد له من حجة نقلية، لأن الظاهر من حال المجتهد العدل أن لا يخالف القياس بلا دليل يصلح مأخذاً للحكم الشرعي، وهو النقلي دون العقلي، واحتمال أن يكون قد ظن غير الحجة حجة لا يدفع الظهور بخلاف ما إذا كان مذهبه موافقاً للقياس، فإنَّه يحتمل أن يكون مذهبه مأخوذاً من ذلك القياس، ولم يلزم أن يكون حجة أخرى، وقياس المجتهد لا يصلح حجة على المجتهد الآخر.
  قلنا: لو صح ما ذكرتم لزم أن يكون قول الصحابي المخالف للقياس حجة على الصحابي، وأن يكون قول غير الصحابي إذا خالف القياس أيضاً حجة على غيره.
  وأنت تعلم أن هذه المسألة ليس لها بباب الإجماع إعتلاق، وأن موضعها عند باب الاجتهاد، وعلى ذلك جرى جهابذة الحذاق.