فصل: [في عدم علم الأمة بدليل مع العمل بقتضاه]
  احتج المانعون من التأويل: بأنه يجري مجرى المذهب، ولا يجوز إحداث مذهب بخلاف الدليل.
  قلنا: ملتزم، سلمنا، فلا نسلم أنه يجري مجرى المذهب، بل مجرى الدليل؛ لأن من تأول قوله تعالى: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣} على حذف المضاف، أي: إلى ثواب ربها ناظرة، مع قيام الدليل على أنه تعالى لا يرى بالأبصار، جرى ذلك التأويل مجرى الدليل لاشتراكهما في نفي الرؤية عنه.
  احتج المنصور: بأن طريقهم طريقنا من جهة النقل، فلو كان ذلك صحيحاً لما عزب عنهم بخلاف النظر، فإنّ الطرق فيه مختلفة فجاز اختلافه باختلاف الأحوال.
  قلنا: ليس ببعيد أن بطلع المتأخرون على شيء لم يطلع عليه الأولون.
فصل: [في عدم علم الأمة بدليل مع العمل بقتضاه]
  (ويمتنع عدم علم الأمة بخبر أو دليل) يدل عليه الحكم (ليس معه غيره) مما يدل على ذلك الحكم لا راجح ولا مرجوح، بل لا دليل إلاَّ وجهلوه جميعاً سواء كان (مع العمل) منهم جميعاً (بمقتضاه أو) مع (عدمه)، وذلك لأنه يكون حينئذ إجماعاً لا عن مستند، وهو لا يجوز كما سبق تقريره.
  (واختلف في جواز عدم علمهم بخبر أو دليل راجح مع العمل بمقتضاه، واستدلالهم) أي الأمة أو العترة (بموافقه) أي الدليل الراجح، وذلك هو (المرجوح):
  (فقيل: يجوز) جهلهم بالراجح، وإستنادهم في العمل إلى المرجوح.
  (وقيل: لا يجوز) ذلك.
  (والمختار: امتناع ذلك فيما كان مشهوراً، وجوازه في غيره).
  لنا: إن كان مشهوراً فهو يتعذر خفاؤه على جميع الأمة بخلاف ما إذا لم يكن مشهوراً، فإنَّه يجوز خفاؤه، وإجماعهم على المرجوح ليس إجماعاً على نفي غيره، فيكون خطأ، فإن عدم القول غير القول بالعدم، وذلك كما لو لم يحكموا في واقعة فإنَّه لا يكون قولاً بعدم الحكم فيها.
  احتج المجوزون: بالشطر الآخر من حجتنا، وبأنه يجوز خفاؤه، وإن كان مشهوراً، إذ لا إجماع على الخطأ مع القول بموجبه.
  قلنا: خفاؤه على الأمة مع شهرته مستحيل عادة.
  احتج النافون: بأن الدليل الراجح هو سبيل المؤمنين، وقد عملوا بغير الدليل الراجح الذي هو سبيل المؤمنين، وإن كان عملهم على وفقه فإن مجرد موافقة الحكم للدليل ليس اتباعاً له بل إذا أخذوه منه.