فصل: [في امتناع ردة كل الأمة أو فسقهم]
  قلنا: يصدق أن أمة محمد صلى الله عليه ارتدت أو فسقت قطعاً، وذلك أن الحكم بالشيء على الشيء قد يكون باعتبار ثبوته له، فيمتنع تنافي وصفي الموضوع والمحمول فلا يصح الأمة مرتدة إلاَّ مجازاً باعتبار كونهم أمة فيما مضى، وقد يكون باعتبار حدوثه له، فلا يمتنع، فيصح ارتدت الأمة حقيقة، فيلزم الإجماع على الخطأ.
  وتحقيق ذلك: أن زوال اسم الأمة عنهم لما كان بارتدادهم كان متأخراً عن الارتداد بالذات، فعند الارتداد وحدوثه صدق الاسم عليهم حقيقة، فتتناولهم الأدلة السمعية.
  فإن قلت: فما تصنع في الخبر الثابت في صحيح مسلم عنه ÷ عن أنس ¥: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله».
  قلت: أتأوله بما تأوَّله بعضهم بعدم الإنكار على أهل المعاصي، لأن الإنسان إذا أنكر شيئاً قال متعجباً: الله الله، وقيل: بزوال الخواص.
  فإن قلت: فما تصنع بالحديث الثابت في صحيحه أيضاً عن عبد الرحمن بن شماسة قال: قلت: كنت عند مسلم بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلاَّ على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون إليه بشيء إلاَّ رده عليهم، فبيناهم على ذلك أقبل عبقة بن عامر، فقال له مسلمة يا عقبة: اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول اله ÷ يقول: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك»، قال عبد الله: أجل «ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلاَّ قبضته، ثم تبقي شرار الناس، عليهم تقوم الساعة».
  وحديث أبي هريرة الثابت عنه وأوله: «إن الله يبعث ريحاً ..» إلخ.
  وحديث ابن مسعود الثابت فيه: «لا تقوم الساعة إلاَّ على شرار الناس».
  وحديث مرداس الأسلمي الثابت في البخاري: «يقبض الصالحون الأول فالأول، ويبقى حثالة كحثالة الشعير، لا يعبئ الله بهم شيئاً».