الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في الكلام في اللفظ وهو باعتبار ما وضع له

صفحة 79 - الجزء 1

  بين الجمهور من أهل اللغة، وإذا كان كذلك امتنع أن يكون موضوعاً لذلك المعنى، بل لا مسمى للحركة في وضع اللغَة إلا نفس كونَ الجسم متنقلاً لا غير.

  قيل: وغرضه الرد على مثبتي الأحوال، وغرض المؤلف الرد على من أثبت المعاني، فرد بغير ما رد وإن كان أشار إلى قوله، فقال:

  (ووضعه) أي اللفظ - ولا بد من تقييده بالمشهور كما فعل الرازي - يجب أن يكون (للمعنى الجلي) الواضح عند العامَّة والخاصَّة، (لا) أنَّه موضوع للمعنَى (الخفي) على كل أحد، (إلا على الخواص) الأذكياء، (كما يقول مثبتوا المعاني) - أي أن صفاته تعالى تثبت لمعان زائدة على الذات -: (الحركةُ معنى يوجب تحرك الذات) فإن الحركة لفظ مشهور فليس له معنى إلا ما هو الواضح وهو الإنتقال، (ولذلك) أي لأجل أنَّ وضع اللفظ للمعنى الجلي لا الخفي (ضعُف استدلال الأشعريَّة على إثبات المعاني القديمة) التي جعلوا الباري سبحانه يستحق صفاته لأجلها وهي القدرة والحياة والعلم والإدراك والسَّمع والبصر والإرادة والكراهة، وكذا هو متكلم بكلام قديم بقدم كما قال بعضهم، بنحو قوله تعالى {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ١٦٦}⁣[النساء: ١٦٦]، وبقوله تعالى {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ}⁣[البقرة: ٢٥٥]، وبقوله {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ٥٨}⁣[الطور: ٥٨].

  قال في الحواشي: قال الرازي: قال أصحابنا: دلت الآية على أن الله تعالى عالم، ولو كان علمه نفس ذاته لزم إضافة الشيء إلى نفسه وهو محال انتهى.

  وأجابت المعتزلة على قولهم: بأن العلم يستعمل في ثلاثة معان: علم بمعنى العالم، وعلم بمعنى المعلوم، وعلم بمعنى المعنى الذي يثبته المتكلمون، فالعلم بمعنى العالم كما تقول: أحدنا قرأ هذا بعلمي، أي وأنا عالم به، والعلم بمعنى المعلوم مثل أن يقال: هذا علم أهل البيت، وعلم أبي حنيفة، وعلم الشافعي، أي معلوماً لهم، والعلم بمعنَى المعنى الذي يثبته المتكلمون مثل قولهم: هو عالم بعلم، أي بمعنى يوجب كونه عالماً، ولا يجوز حمل ما تمسكوا به على هذا المعنى؛ لأن الله تعالى خاطب العرب بلغتهم وهم لا يعقلونه ولا يريدونه، فلو أراده لوجبَ أن يبيَّن مراده، وإلا كان مخاطباً لهم بما لا يعلمون، وذلك لا يجوزُ فيجب أن يحمل على ما عقلوه وهو العلم بمعنى كونه عالماً فيكون المعنَى أنزله وهو عالم به.

  قولكم: لو كان علمه نفس ذاته لزم إضافة الشيء إلى نفسه وهو محال.