الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب العاشر من أبواب الكتاب باب الاجماع

صفحة 122 - الجزء 2

  وحديث ابن عمرو الطويل الذي منه: «فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً، فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون، فيقولون: فما تأمرنا، فيأمرهم بعبادة الأوثان».

  وحديث النواس بن سمعان الطويل الثابت في صحيح مسلم الذي في آخره: «إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة»، فهذه الآحاديث وغيرها تدل على كفر الأمة قبل الساعة جميعاً⁣(⁣١).

  قلت: ذلك عند ارتفاع التكليف، وقيام الأدلة على عدم الاجتماع من الأمة على الخطأ إنما هو مع قيام التكليف كما حققه النووي، وفيه جمع بين الأدلة.

  (وكذا العترة) جميعاً لا يجوز عليها ذلك، للأدلة الدالة على عصمتهم عن الخطأ، (لا اتفاقهم) أي الأمة والعترة (على الجهل بما لم يكلفوا به) بأن لم تعلمه كالتفضيل بين عمار وحذيفة، فإنَّه لا يمتنع (على الأصح، لعدم الخطأ) فيه، إذ عدم هذا العلم ليس بخطأ، فجاز.

  وقيل: يمتنع، وإلا كان الجهل سبيلاً لها، فيجب اتباعها فيه، وهو باطل.

  وأجيب: بمنع أنه سبيل لها؛ لأن سبيل الشخص ما اختاره من قولٍ أو فعلٍ، وعدم العلم بالشيء ليس من ذلك، أما اتفاقها على جهل ما كلفت به فممتنع قطعاً.

  (فأما انقسامهم) أي الأمة جميعاً أو العترة كذلك (فريقين) في كل من المسألتين (كل مخطئ في مسألة) من المسألتين (ومصيب في أخرى)، كأن تقول فرقة: الله يرى والخوارج مخطئون، وتقول أخرى: الله لا يرى، والخوارج مصيبون، فقد أصابت الفرقة الأولى بما أخطأت فيه الثانية، وأصبت الأخرى بما أخطأت فيه الأولى، فما هذا حاله فيه تردد العلماء: هل أخطأوا نظراً إلى مجموع المسألتين فيمتنع ما ذكر لانتفاء الخطأ عنها بالحديث السابق، أو لم يخطئ إلاَّ بعضها نظراً إلى كل مسألة على حدة، فلا يمتنع.


(١) في حاشية النسخة الأصلية: قلت: لا دلالة في شيء من هذه الأدلة على ما ذكره المؤلف رحمة الله عليه، بل دلت على أن الله يقبض العلماء والمؤمنين فحينئذ لا يبقى من أمة محمد ÷ أحد، ويدل على ذلك أيضاً «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً من أهله ولكن يقبضه بقبض العلماء» الحديث. والله أعلم.