الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في أقسام إجماع الأمة والعترة، وحكم مخالف الإجماع]

صفحة 124 - الجزء 2

  إذا عرفت ذلك فالقطعي إن كان صادراً عن الأمّة، فقد اختلف في حكم مخالفِه:

  قال (بعض المتكلمين والفقهاء: ومخالفته) أي الإجماع القطعي المذكور، وذلك بأن يجحد الحكم المجمع عليه وينكر، كأن يجمعوا على تحريم لبس الحرير، ثم يقال: بل لبسه حلال، (كفر).

  وقال (أئمتنا والجمهور) من العلماء: (بل فسق).

  وقال: (الآمدي والرازي: لا أيهما) أي لا كفر ولا فسق.

  لنا: الوعيد عليه، وناهيك بأن المشاقة والعلم به غير داخل في ماهية الإسلام، وإلا لكان الواجب على الرسول أن لا يحكم بإسلام أحد حتى يعرفه أن الإجماع حجة، ولما لم يفعل ذلك بل لم يذكر هذه المسألة صريحاً طول عمره، فعلمنا أن العلم به غير داخل في ماهية الإسلام، وإذا لم يكن العلم بالإجماع معتبر في الإسلام وجب أن لا يكون العلم بتفاريعه داخلاً فيه، فاقتضى ما ذكرنا لمخالفة الفسق دون الكفر.

  احتج القائل بالكفر: بأنه رد للقطعي، ورد القطعي كفر.

  قلنا: لا نسلم ذلك إلاَّ إذا كان من ضروريات الدين.

  احتج الرازي والآمدي: بأن أدلة الإجماع ظنية.

  قلنا: لا نسلم ذلك، وقد تقدم ما إذا أعدته إلى هذا المقام نفعك.

  واعلم أن بين مخالفة الإجماع في نفسه ومخالفة المجمع عليه فرق ظاهر، فمخالفة الإجماع نفسه أن يجمعوا على تحريم لبس الحرير، ثم يدين الفاعل بحله، ومخالفة المجمع عليه أن يلبسه مع اعتقاد تحريمه، وقد وقع في هذا لبس لنحارير العلماء، فلم يفرقوا.

  وقد أشار المصنف إلى الفرق بقوله: (فأما مخالفة مقتضاه فمعصية لا يقطع بكبرها إلاَّ لدليل) على الكبر، لأن الأمة وإن أجمعت على التحريم فلم تجمع على أنه كبيرة، وقد أشار إلى ما ذكرنا الإمام المهدي في البحر.

  وإن كان صادراً عن العترة، فقد أشار إلى حكم مخالفه بقوله:

  (واختلف أئمتنا في مخالفة إجماع العترة القطعي):

  (فقيل: فسق) والقائل بذلك القاضي عبد الله بن حسن في تعليقه قياساً على مخالفة إجماع الأمة، ولقوله: «من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق»، والغارق هالك.