فصل: [في عصمة الأنبياء]
الباب الحادي عشر من أبواب الكتاب: باب الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وما يجري مجراها من التروك والتقريرات
فصل: [في عصمة الأنبياء]
  لما كان حجة الفعل والترك والتقرير مترتبة على عصمة النبي ÷ بدأ بذاكرها واستطرد ذكر عصمة الأنبياء لزيادة الفائدة، ولأن الحكم في المعصية وغيرها واحدة، فلما كان كذلك قال:
  (اختلف في عصمة الأنبياء) $، والعصمة في أصل اللغة مأخوذة من العصم، وهو المنع من الوقوع في الأمر المخوف، قال الله تعالى {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ}[هود: ٤٣]، ومنه تسمية وكاء القربة عصاماً لما كان يمنع الماء عن الخروج، ومنه سمي الوعل أعصم لمنعه نفسه بالسكون في رؤوس الجبال.
  وهي في الإصطلاح: اللطف الذي يترك العبد لأجله المعصية لا محالة ما لم يبلغ حد الإلجاء.
  (فعند الإمامية وبعض الفقهاء) كالقاضي عياض صاحب الشفاء في فضائل المصطفى، (والأشعرية) منهم الإسفرائيني والشهرستاني والسبكي: (أنهم معصومون من الكبائر والصغائر) فلا يواقعونها لا (عمداً و) لا (سهواً)، واختصت (الإمامية) بأن ذلك ممتنع (إلاَّ على جهة التقية).
  (وقالت الحشوية والكرامية والخوارج وبعض الأشعرية): إن الأنبياء (غير معصومين عنهما) أي الكبائر والصغائر، (وتقع منهم عمداً وسهواً).
  وقال: (أئمتنا وجمهور المعتزلة والغزالي) من الأشعرية: إنهم (معصومون عن الكبائر، وتجوز عليهم الصغائر إلاَّ ما فيه خسة) منها كسرق بصلة، والإفراط في المجون والهزل (فيمتنع اتفاقاً) بين العلماء، لأدائه في التنفير.
  (وكذا يمتنع ما يتعلق بالتبليغ، كالكتمان) لشيء مما أنزل عليهم، فلا يجوز وقوع ذلك منهم، إذ لو جوزناه لما وثق بشيء مما أتوا به لجواز أن يكونوا قد كتموا ما نسخ أو ما خصص أو غير ذلك، وذلك باطل قطعاً.