الباب الحادي عشر من أبواب الكتاب: باب الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وما يجري مجراها من التروك والتقريرات
  إن داود خطبها بعد خطبة أوريا، وكان جائزاً في شرعه، ولكن عوتب على ذلك حيث سأل رجلاً ليس له إلاَّ امرأة أن ينزل عنها، فنبهه الملك إلى ذلك فاستغفر.
  وأما همُّ يوسف: فإن أراد الخصم أن العزم على المعصية الكبيرة كبيرة فغير مسلم، ثم إن الهمّ هنا بمعنى ميل النفس ومنازعتها الصادران عن الشهوة والعزم، ولشدتهما شُبِّهَا بالهمّ والقصد، وذلك تقتضيه صورة الحال التي كادت تذهب بالعقول والعزائم، ويوسف في تلك الحال يكسر ما به، ويرده بالنظر في برهان الله المأخوذ على المكلفين من اجتناب المحارم، ولو لم يمكن ذلك الميل شديداً حتى سمي هما لشدته ما كان صاحبه ممدوحاً عند الله بالامتناع؛ لأن استعظام الصبر على الابتلاء على حسب عظم الابتلاء وشدته، ولو كان همه عن غير عزيمة لما مدحه الله بأنه من عباده المخلصين.
  ويجوز أن يراد وشارف أن هم بها، كما يقال: قتلته لو لم أخف الله.
  وأما ذا النون: فمغاضبته كانت لقومه، لأنه غضب عليهم لكفرهم، وعدم طاعتهم على طول تذكيره لهم، أو غضبهم لمعارفهم لخوفهم حلول العقاب عليهم، وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلاَّ غضباً لله تعالى، وبغضاً للكفر وأهله، فعاقبه الله وابتلاه ببطن الحوت، إذ كان عليه أن يصابر وينتظر الأذن من الله في الهجرة عنهم.
  وأما ظنه أن لن يقدر الله عليه: فقد فسر بالتضييق، وبتقدير الله عليه عقوبة، قال ابن عباس لمعاوية - وقد سأله عن معنى هذا -: من القَدَر لا من القدرة.
  ويحتمل أن يفسر بالقدرة على معنى أن ظن لا تعمل فيه، أو من قبيل التمثيل، وهو أن حاله ماثلت حال من ظن أن لن يقدر عليه.
  وأما لوط: فلم يعرض ببناته للفاحشة، وإنما عرضهم للتزويج طلباً لترك قومه الفاحشة، وكان التزويج من الكفار جائز كبنات نبينا.
  وأما قول إبراهيم {إِنِّي سَقِيمٌ ٨٩}: فمن قبيل المعاريض، ولعله نوى أن من في عنقه الموت فهو سقيم في المثل كفى بسلامه داء، وقيل ستقيم لكفرهم.
  وأما قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ}، فقيل: هو من قبيل الإسناد إلى السبب؛ لأنه لما رأى الأصنام مصطفة غاضه، وكان أكثر ما غاضه كبيرهم لما رأى من شدة تعظيمهم إياه، فأسند الفعل إليه، لأنه السبب في استهانته بها وحطمه لها، وقيل: هو من معاريض الكلام، والغرض به تقرير الفعل لنفسه