الباب الحادي عشر من أبواب الكتاب: باب الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وما يجري مجراها من التروك والتقريرات
  وإثباته لها، كما إذا قيل لك وقد كتبت بخط رشيق - وأنت شهير بحسن الخط -: أنت فعلت هذا، والقائل لك أُميٌّ لا يُحسن الخط، وتقول: بل أنت كتبته، قصدك تقريره لك مع الاستهزاء به.
  (و) الذين جوزوا الصغائر (اختلفوا في كيفية إقدامهم عليها):
  (فعند الهادي، وأبي علي، وأبي عبد الله، والقاضي) عبد الجبار: أنه لا يجوز صدورها منهم مع العمد والعلم بالقبح، بل إنما يفعلونها (على جهة التأويل) منهم واعتقاداً لعدم القبح، لتقصير منهم في النظر وغلط في طرقه؛ لأن الأنظار يعرض فيها الغلط كثير، فيعرض لهم بسبب ذلك شبهة يخرجون بها عن الجرأة الممتنعة عليهم؛ لأن ذلك ينفر عنهم ويسقط منزلتهم.
  واعلم: أن لفظ الهادي في ذكر الأنبياء لم يكفر قط ولا يفسق، ولم يقم على شيء من الذنوب بعلم ولا بعمد، وربما إذ ثبت على الظن بطريق البيان.
  وأنت خبير بأن مذهب الهادي يقرب إلى ما قاله (النظام و) جعفر (ابن مبشر): من أنه لا يجوز عليهم شيء من المعاصي لا مع العلم بالقبح ولا مع الجهل، بل إنما يفعلونها (على جهة السهو) والغفلة عنها، وإلا (وليس) السهو (بمعفو عنه) وإن كان معفواً عن غيرهم، لأنهم لعظم درجاتهم أمروا بالتحفظ والتحرز عن السهو، وإن لم يؤمر به غيرهم.
  وأجيب: بأن تكليف الأنبياء بالتحرز عن السهو يستلزم تكليف ما لا يطاق؛ لأن السهو من فعل الله، وهو سلب العلوم الضرورية، والتحرز من فعل الله مما لا يطاق، فإذا بطل أن يكونوا معاقبين مع السهو لزم أن يكون الساهي مما لا حرج عليه، وهو منفي بقوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ١٢١}[طه: ١٢١].
  فإن قيل: قد يكون سبب السهو من فعل العبد فيمكنه الاحتراز عنه.
  قلنا: فهل فعله ذلك السبب سهواً أو عمداً، إن كان سهواً لزم التسلسل، وإن كان عمداً فإن عوقب فإنما يعاقب عليه ولم يعاقب على ما فعله حال السهو لخروجه عن التكليف.
  وقال (جمهور أئمتنا، وأبو هاشم: بل يقدمون عليها عمداً أو سهواً، ولا يُقَرون عليها) إذ لو أُقروا عليها لم يكن معصية، مستدلين بإقدام آدم # على الأكل من الشجرة بعد التحريز له منه، وإعلامه بكونه ظلماً، حيث قال: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ٣٥}[البقرة: ٣٥]، فكيف يقدم بعد ذلك متأولاً.