فصل: [في عصمة الأنبياء]
  وأجيب: بأن فيه نقص ثواب وفعل النبي ÷ لما ينقص ثوابه يكون منفراً.
  (وانعقد الإجماع على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام) لأنه ينافي الغرض ببعثته، إذ يؤدي إلى أن لا يوثق به في شيء من الأحكام، إذ يجوز أنه كذب في ادعائه نسخ الحكم، بل في أصله، وفي ذلك هدم الشرائع، (وجوزه الباقلاني غلطاً) ومنعه المحققون لدلالة المعجزة على الصدق، ولما سبق، والباقلاني ذهب إلى ذلك مصيراً منه إلى أن المعجزة إنما تدل على صدقه فيما هو متذكر له عامد إليه، وأما ما كان من النسيان وفلتات اللسان فلا يدخل تحت التصديق المقصود بالمعجزة، ولا المعجزة دالة على نفيه.
  والجواب: أن تجويز ذلك يؤدي إلى هدم الشرائع كما سبق.
  (واختلف في وقت العصمة):
  (فعند الإمامية وبعض الفقهاء)، قال الإمام: وهو مذهب أكثر أهل النظر، (و) بعض (الأشعرية: أنه وقت الولادة).
  وقال (أبو الهذيل، وأبو علي، وجمهور الأشعرية: إن وقتها وقت النبوة).
  (والمختار وفاقاً لجمهور المعتزلة: أنه) أي وقت العصمة (وقت التكليف) فلا يقطع به إلاَّ من تلك الحال؛ لأن هذا الوقت هو وقت المؤاخذة، فأما من قبل ذلك ففيه احتمالان: يمكن أن يقال: لا وجه لعصمتهم قبل التكليف، إذ لا فائدة فيه، ويمكن أن يقال: إنهم معصومون أيضاً؛ لأن الأدلة لم تفصل بين وقتٍ ووقتٍ، فيجب القضاء بعصمتهم في جميع الأوقات، وهذا الذي ذكرناه هو مذهب الإمام، وينبغي أن يحمل عليه كلام المؤلف.
  (واختلفوا فيمن تثبت منه) العصمة، (وفي كيفية ثبوتها):
  (فقيل: ثبوتها منه تعالى، ثم اختلفوا في الكيفية):
  (فعند أئمتنا والمعتزلة): أن كيفية ثبوت العصمة للأنبياء (بالألطاف) التي يجعلها لهم كما تجعل لغيرهم، فهي من قبيل الألطاف ونوع منها مخصوص، لكنه تعالى قد علم أنهم يلتطفون فيما هم معصومون عنه، فلا يفعلونه، وإنما لم يفعلوه اختياراً منهم للخير، وتنكباً عن سبيل الهلكة.
  (وقيل: ببنية مخصوصة) ركبهم الله تعالى عليها، فهم لمكانها ينفرون عن المعاصي، ويرتاحون إلى الطاعات.