الباب الحادي عشر من أبواب الكتاب: باب الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وما يجري مجراها من التروك والتقريرات
  قيل: واختار هذا القول الإمام، والذي في معياره خلافه، بل اختار الأول، وعليه إشكال: وهو أن النبي ÷ لطف، ومن حق اللطف أن يكون على أبلغ الوجوه، وكونه بحيث لا يجوز عليه معصية قط، أدخل في اللطفية فيجب كونه كذلك.
  ولا يرد على الأولين: لأن الله تعالى إذا علم أن مصلحة قوم في بعثة رجل معين فلا يتصور وجوب كونه على أبلغ الوجوه، بل ربما علم الله عصمته من جميع المعاصي كيحيى بن زكريا، وربما علم أنه سيفعلون شيء منها، ككثير من الأنبياء، والصحيح الأول وإلا لما استحق الأنبياء بفعلهم الطاعات وتركهم المعاصي ثواباً ولا عقاباً ولا مدحاً ولا ذماً، ولا مشقة عليهم في ذلك حيث لم يفعلوا إلاَّ ما يشتهونه، ولم يتركوا إلاَّ ما ينفرون عنه، وإذ لا ثواب لهم ولا مدح في فعل غيرهم على القول الآخر، بل هم ملجئون إلى ذلك لا اختيار لهم فيه أصلاً، ولو كان كذلك لكان أحدنا الأحق بالمدح في تركه للمعاصي من الأنبياء لعظم ما يلاقيه من الحرج والمشقة، دون الأنبياء، وكل ذلك معلوم بطلانه.
  (وقيل) ليست العصمة هي اللطف: بل تثبت (بمنعهم عن المعصية) بخلق القدرة الموجبة للطاعة، إذ لا فعل للعبد حتى يحتاج إلى لطفٍ، وهذا القول للمجبرة والإمامية، وقد تقدم الكلام عليه.
  تنبيه:
  قد علم أن عصمة الأنبياء من قبيل الألطاف كغيرهم لكنها غير مقصورة على العصمة الاصطلاحية، بل المراد بها التوفيق والعصمة معاً، لا على الإطلاق، بل فيما يؤدي إلى كبيرة أو منفر، كما مر.
  (وقيل: بل ثبوتها من النبي، ثم اختلفوا في الكيفية) للعصمة:
  (فقيل): تثبت له العصمة (باختيار نفسه) في الإتيان بالواجبات واجتناب المقبحات، في الحواشي: وحيث يقال باختيار نفسه، فاللطف الواجب لا بد منه، ولم يذكر لأن وجوبه معلوم.
  (وقيل): تثبت له العصمة باختيار نفسه لكنه غير مستغن عن معونة الله تعالى، فلا بد وأن يكون اختياره (مع اللطف منه تعالى).
  (وقيل: بل ثبوتها من الله والنبي، وكيفيته: بخلق الداعي) إلى فعل الطاعات، (واللطف) الذي لأجله تركت المعصية (منه تعالى، وفعل الواجبات واجتناب الكبائر من النبي، ومعناه معنى ما قبله) وهو قوله: وقيل مع اللطف منه تعالى، (وليس بمستقل في الأظهر) لأن كيفية الثبوت إذا كانت للنبي باختياره، ومن الله باللطف، فهو غير ما تقدم في القول الثاني.