الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل: في حقيقة التأسي والإتباع والموافقة والمخالفة والإئتمام)

صفحة 142 - الجزء 2

  وإنما اختلفا حسناً وقبحاً، وليس معنى التأسي هنا أنه يمتنع له، وإنما معناه أن سجوده باعث على إيقاع مثل ذلك السجود لغير ذلك المعبود، فليس تأسياً على الحقيقة، بل معارضة للفعل بمثل صورته.

  وقال الإمام الناطق بالحق (أبو طالب، والحفيد: ويشترط فيه) أي في التأسي غير ما ذكر، وهو أن يحصل للمتأسي (العلم) بصورة المتأسي (فيه ووجهه من المتأسى به) فلا يعلم من طريق آخر إذ لو علم منها لم يكن تأسياً عندهما، كما عُلم بطريقة العقل مثلاً، ثم فعله النبي ÷، فإنَّه لا يكون تأسياً به ÷.

  قالوا: (فلا تأسي بالمصطفى ÷ في نحو رد الوديعة) أي في رد الوديعة ونحوها من الواجبات العقلية كشكر المنعم والصبر على الشدائد؛ لأن وجه الفعل وصورته هنا معلومة من العقل غير معلومة من المصطفى ÷، بخلاف الصلاة، فإنا لم نعلمها إلا منه ÷، فسمينا به فيها متأسين.

  (والمختار، وفاقاً لأبي الحسين: أنهما) أي العلم بصورة المتأسى فيه ووجهه من المتأسي (لا يشترطان، فنحن متأسون به في ذلك) أي في نحو رد الوديعة؛ لأن كون ذلك معلوماً من جهة العقل لا يقدح في تسميته تأسياً، ولا مانع من أن يدل على الشيء دليلان.

  وأيضاً: قد قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}⁣[الأحقاف: ٣٥]، فأمره أن يتأسى بأولي العزم في الصبر، وهو مما علم بالعقل.

  (وأما اعتبار الزمان والمكان وطول الفعل وقصره في التأسي) حتى لا يكون المتأسي متأسياً إلاَّ بفعل ذلك الفعل في الزمان والمكان، وتقدره طولاً وقصراً:

  (فإن علم) قصده و (دخوله) أي كل واحد من هذه الأمور (في غرض المتأسى به) بأن يكون فعل ذلك الفعل في ذلك الوقت لغرض (اعتبرت) قطعاً، وذلك (كرمضان في الصوم) في اعتبار الزمان، فإنَّه يعلم أن هذا الوقت للصوم داخل في غرض المتأسى به، بمعنى أنه لا يفعل فيه إلاَّ لغرض لا يحصل في غيره، فإنا لو صمنا شعبان لم نكن متأسين به، (و) مثل (عرفة في الوقوف) في اعتبار المكان، فإنا نعلم قطعاً اعتبار المكان في الوقوف من قصد الشارع لغرض لا يحصل في غيره، (و) مثل (الطمأنينة في أركان الصلاة) في اعتبار الطول، فإنا نعلم اعتبار الطول كذلك، (و) مثل (اقتصاد الإمام في قرآءتها) في القصر، فإنا نعلم اقتصار ذلك كذلك.