الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في معنى الكلام]

صفحة 81 - الجزء 1

  قال القرشي: وهذا بعيد عن التحصيل؛ لأن من ينفي الكلام النفسي كيف يسلم أن الاسم موضوع عليه بالاشتراك، وأيضاً فالعرب لا يعقلون الكلام النفسي فضلاً عن أن يضعوا له عبارة أو يشركوا بينه وبين غيره فيها، يوضحه: أنه إذا أطلق لفظ الكلام فإنما تسبق أفهامهم إلى هذا المسموع.

  (وعن بعضهم) أي بعض الأشعريَّة: أنه (حقيقة في النفساني مجاز في غيره).

  قال القرشي: وهذه مباهتَة.

  لنا: سبق الفهم عند الإطلاق إلى القولي وهو أمارة الحقيقة كما سيأتي.

  وأيضاً: فالمجاز خير من الإشتراك.

  ولنا: في حق الشاهد أن المعقول من الكلام هو هذه الحروف والأصوات، بدليل أن من علمها وصفها بأنها كلام - وإن جهل النفسي -، ومن جهلها لم يصفها بأنها كلام - وإن علم المعنى النفسي -، وبعد فلا بد من القول بصحة إدراك هذا المعنى النفسي فيقال: أرأيتم لو خلق الله فينا إدراكه هل كنَّا ندركه بصفة الحروف والأصوات حتَّى يكون مترتباً مفيداً متواضعاً عليه، فهذا إقرار بأنه من جنسها، أو كنَّا ندركه على صفة غير هذه فما هي؟ وكيف يكون كلاماً دون غيره من معاني النفس؟ وبماذا يتميز عن غيره؟.

  وفي حق الغائب أن الله لو كان متكلماً بكلام قديم لوجب في ذلك المعنى أن يكون مثلاً لله.

  وأيضاً لما صح وصفه بأنه إن شاء أمر وإن شاء نهى، وإن شاء قال وإن شاء لم يقل، بل لا يوصف بالقدرة على شيء من الأقوال؛ لأنه كيف يصح منه ذلك ولم يوجد فيما لم يزل، وكل مذهب أدى إلى أن الله غير مختار في أوامره وخطابه فهو فاسد قطعاً.

  قالوا: إذا أراد أحدنا الكلام وجد في نفسه معنى فذلك هو الكلام.

  قلنا: الموجود هو تصور الكلام، والعزم عليه، والعلم بترتب حروفه، والتفكر في كيفيَّة أفراده، وكل هذه كما يجدها أحدنا من نفسه قبل الكلام يجدها أيضاً قبل الكتابة، وقبل البناء، وقبل الشعر، فهلا كانت هذه الأشياء معاني في النفس؟.

  قالوا: العرب تقول: في نفسي كلام، قال تعالى {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ}⁣[المجادلة: ٨]، وقال {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}⁣[الملك: ١٣]، فدل على أنه مشترك.