الباب الحادي عشر من أبواب الكتاب: باب الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وما يجري مجراها من التروك والتقريرات
  (وإن علم عدم ذلك) أي دخوله في غرض المتأسى به، بأن يكون فعل ذلك الفعل في ذلك الوقت لا لغرض (لم يعتبر) شيء من ذلك، وذلك كالتصدق، وهو قائم، أو قاعدٌ، أو ليلاً، أو نهاراً، أو تلاوة قطعة من القرآن قليلة أو كثيرة، في بعض الأماكن والأوقات بحيث نعلم أن تعيين ذلك وتحديده لم يقصده المتأسي به.
  (وإن التبس) الحال هل هو داخل في الغرض أو لا؟:
  (فمقتضى كلام أبي طالب، والحفيد، وأبي عبد الله: اعتبارها) بناء منهم على أن الأصل أن الفعل إنما فعل في ذلك الزمان والمكان لا لغرض ما لم يقم دليل عل عدم اعتبار ذلك.
  (ومقتضى كلام القاضي) عبد الجبار، (وأبي الحسين، والشيخ) الحسن: (عدم اعتبارها) إلاَّ أن يدل دليل على اعتبارها، وأنها مقصوده، وليس القصد إلا مثل ذلك الزمان المقبل المماثل لما فعل فيه الفعل أو ترك، والمكان المتسع، أو على جهة التناوب والبدل، وحيث أمكن ضبط الطول والقصر، فيندفع ما يوهمه القاضي من استحالة التأسي مع اعتبار الزمان؛ لأنه لا بد من تقدم المتأسى به، وإلا لم يكن متأسياً به أولى من أن يكون متأسياً بنا، والمكان لاستحالة كون الفاعلين في مكان واحد في وقت واحد، وأنه لا يعتبر طول الفعل وقصره، إذ لا يمكن ضبطه، وظاهر كلام المنصور بالله هذا يوهم التعميم، إلاَّ إذا اقترن بمثل ذلك ما يشعر بإرادة الخصوص، وجب المصير إليه والبناء عليه، وكان لخصمه أن يفسد دليله وإن يكن على ما أجمعوا عليه الإبطال، وقد اتفقوا على اعتبار مثل ذلك حيث عرف دخولها في غرض المتبع، وهو ينفي ذلك أيضاً.
  (والإتباع) للغير هو (المصير إلى ما تعبدنا به) على لسان النبي (على الوجه الذي تُعبدنا به؛ لأنا تعبدنا به) نحن من غير نظر إلى وجهه في المتبوع، كالوتر فإنَّه واجب منه ÷ مسنون من جهتنا، فلو كان واجباً علينا لكان تأسياً.
  (وهو) أي الإتباع (أعم من التأسي، لأنه يكون في القول بمعنى: إنا نقول كقوله، ونعمل بمقتضاه من وجوب أو ندب أو غيرهما) كالتحريم والإباحة والكراهة، وهذا ليس من التأسي في شيء، إذ هو إيقاع الفعل.
  (و) يقع (في الفعل والترك كالتأسي من غير فرق) بينهما، فكل تأس اتباع، ولا ينعكس كلياً، أعني كل اتباع تأسي، بل بعض الإتباع تأس، هذا كلام الجوهرة والعقد واللؤلؤ الموصول.