(فصل): [في وجوب التأسي بالنبي ÷]
  وقال (الكرخي وغيره: لا يجب ذلك) التأسي (مطلقاً) أي لا في العبادات ولا غيرها (إلاَّ ما خصه دليل) دال على أن حكمنا حكمه فيه كالصلاة والحج لقوله ÷: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، و «خذوا عني مناسككم» دون ما لم يتبين فيه دلالة فلا يتأسى به فيه.
  وقال أبو علي (ابن خلاد: يجب) التأسي به ÷ (في العبادات دون غيرها) من المعاملات والإيقاعات، فلا يجب التأسي به فيه.
  (واختلف في طريق وجه وجوبه) أي التأسي، هل العقل والسمع أو السمع وحده؟:
  (فعند أكثر أئمتنا والجمهور) من العلماء: أنه إنما وجب (سمعاً) لأن المعلوم من حال الصحابة أنهم كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته، وذلك يقتضي علمهم بالتشريك عادة، ولعموم قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} الآية، ومعناها: من كان يؤمن بالله فله فيه أسوة حسنة، فالآية دالة على لزوم التأسي للإيمان، ويلزمه بحكم عكس النقيض لزوم عدم الإيمان لعدم التأسي، وعدم الإيمان حرام، فكذا ملزومه الذي هو عدم التأسي، والإيمان واجب، فكذا لازمه الذي هو التأسي، وإلا ارتفع اللزوم.
  وأيضاً فهو مبالغة في التهديد على عدم الأسوة، فتكون الأسوة واجبة، ولم يفصل هذا الدليل بين العبادات وغيرها.
  وقد يمنع عموم الآية إذ لم يتضمن شيئاً من صيغه المعروفة المحصورة.
  ويمكن أن يجاب بأنه يستفاد من ورودها مورد البعث والإغراء بالمتابعة له فيما يفعله ويتركه، فهو بمثابة تأسوا به فيما يأتيه، (لا عقلاً) إذ لا طريق للعقل إلى معرفة المصالح، وإلا لما احتيج إلى البعثة، والمصلحة تختلف باختلاف الأعيان والأحوال والأزمان، فلا يمتنع أن تكون مصلحته ÷ في أفعاله وتروكه مخالفة لمصلحتنا.
  وأيضاً فإنَّه قد وجب عليه ما لم يجب علينا، كالوتر والأضحية، وأحل له ما لم يحل لنا كالزيادة على أربع، وحظر عليه ما لم يحظر على غيره، فلولا أن العقل غير قاضٍ بذلك لما وقع؛ لأن القضايا العقلية لا يصلح أن ترد بخلافها الدلالة الشرعية.
  وقال (الإمام) يحيى (وغيره: بل) يجب التأسي به ÷ (عقلاً وسمعاً):
  أما السمع: فما تقدم.