الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [أقسام الأفعال الصادرة من النبي ÷]

صفحة 148 - الجزء 2

  (وقيل:) لا يحمل ما صدر منه ÷ على أنه مكروه لا لما ذكره الأولون، بل (لنُدْرتِه) - بضم النون، ضبطه السبكي وهو القائل بهذا القول - أي لندرة وقوع المكروه من أمته فكيف منه، (إلاَّ أن يبينهما) أي يبين أن الذي صدر منه صغير ومكروه صح ذلك، وهو واضح.

  [نعم: كثيراً ما يذكر المهدي والإمام عز الدين بن الحسن والنواوي⁣(⁣١) وابن حجر في شيء من أفعال النبي ÷ أنه فعله لبيان الجواز.

  قلت: ويخرج بذلك عن كونه مكروهاً في حقه، أو تببيينه للجواز حكم واجب عليه، لأنه مأمور بالتبليغ، في لا ينبغي إطلاق العبارة، في أنه لا يقع منه المكروه، إلا أن يراد أنه لا يقع منه وهو مكروه في حقه، لكن ليس ذلك بمراد، وإذا تتبعت موارد السنة ومصادرها، كالركعتين بعد الفجر وغيرهما، وجدتها قاضية بصحة ما قاله هؤلاء]⁣(⁣٢).

  (و) الصادر منه ÷ (هو على خمسة أقسام):

  القسم (الأول: ما وضح فيه أمر الجبلة مما لا يخلو عنه ذو روح) لكونه من ضرورياته، وذلك (كالأكل والشرب) أنفسهما (لا هيئتهما) من الأكل باليمين، وإصغار اللقمة، وإطالة المضغ، والقعود متربعاً، ومن المص ثلاثة أنفاس، وغير ذلك مما يتأسى به فيها؛ لأنها لا تصدر منه لكونه بشراً بل لحكمة اقتضتها، (و) حينئذ (سبيله وسبيل أمته فيه) أي في الأكل والشرب هو (الإباحة) لما عرفت.

  (و) القسم (الثاني: ما وضح) بالدليل (تخصيصه) ÷ (به)، أي بذلك الفعل، وسواء كان (واجباً كالوتر)، نعم وظاهر كلام المؤيد بالله أنه في حقه صلى الله عليه سنة مؤكدة، (و) مثل الوتر في الاختصاص والوجوب (التهجد) بالليل، وهو ترك الهجود للصلاة.

  واعترض ذلك المهدي: بأنه قال: نعم نافلة.

  وأجيب: بأن المراد بنافلة عبادة زائدة على الصلوات الخمس، فوضع نافلة موضع تهجداً؛ لأن التهجد عبادة زائدة، والمعنى أن التهجد زيد لك على الصلوات المفروضة، فريضةً عليك خاصة دون غيرك، لأنه تطوع لهم.


(١) هو يحيى بن شرف الدين بن مري، محيي الدين النواوي، الفقيه المحدث، ولد سنة (٦٣٠) هـ، وتوفي سنة (٦٧٦)، له مصنفات منها: الأذكار، والروضة، ورياض الصالحين، وشرح مسلم، وغيرها.

(٢) ما بين القوسين ثابت في هامش النسخة (أ) أنه من الأصل، وهو غير موجود في النسخة الأصلية.