الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في معنى الكلام]

صفحة 82 - الجزء 1

  قلنا: لا يصح التوصل بالعبارات إلى المعاني، وهذا توصل بالعبارة؛ لأن المعنى يجب أن يعقل أولاً ثُمَّ يعبر عنه، فما عندكم لو لم يخلق الله العرب أو خلقوا خرساً بماذا تعملون الكلام النفسي؟.

  وقوله تعالى {وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ}⁣[المجادلة: ٨]، ونحوها لن يعدو من أن المراد عزمهم على إيراد هذا القول وتفكرهم في كيفيَّة إيراده، واعتقاد مقتضاه، ونحو ذلك.

  وقد قيل: إنهم يُظهرون هذه الأقوال فيما بينهم على حد لا يسمعها غيرهم، ويوصف ذلك بأنه سر وبأنه قول في النفس، ألا ترى أن أحداً إذا كلم نفسه حيث لا يسمعه أحد وصف قوله بأنه سر، وقيل: فلاناً يحدث نفسه، ويقول في نفسه وأشباه ذلك.

  يوضحه: أنه لو زعم الخصم من أن الذي في النفس يسمى كلاماً وقولاً، للزم إذا أخطر أحدنا بباله أن يطلِّقَ أو يعتق أن تطلق امرأته ويعتق عبده؛ لأنه قال: أنت طالق، لكنه قاله سرّاً، ولا فرق بين السر والجهر في ذلك كما لو لفظ به في الخلاء.

  والقائلون بأنه مجاز في النفساني قالوا: قال الأخطل:

  إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ... جعل اللسان على الفؤاد دليلا

  قلنا: توصل بالعبارة كما سبق، فيحمل على المجاز.

  قالوا: لو كان الكلام من قبيل الأصوات لكان كل صوتٍ كلاماً.

  قلنا: لا يلزم ذلك كما لا يلزم إذا كان المشي من قبيل الحركات أن يكون كل حركة مشياً، وإذا كانت الكتابة من قبيل التأليف أن يكون كل تأليفٍ كتابة، ولتوسيع الدائرة في هذا المقام محل آخر، وهو علم الكلام، وإذا عرفت هذا فالبحث عن النفساني عندهم من أصول الدين، والبحث عن المسموع من أصول الفقه، ولذلك قال السيد: (واتفقوا على أن كلام الأصولي) مبني (على) أن المراد فيما يذكر في الأصول، وبيّن من أحكامه (المسموع)، لأنه الدليل السمعي، وإن كان باعتبار دلالته على ما في النفس، وعلى أن الكلام الكلامي في النفساني.

  (وفي تسمية الكلام في الأوَّل خطاباً خلاف بينهم) أي بين الأشعريَّة، فمنعته الكلابية إذ القديم عندهم الأمر الكلي، وقالوا: لا يوصف بذلك فيما لم يزل لعدم من يخاطب به إذ ذاك، وإنما يسمى فيما لا يزال عند وجود من يفهم، وإسمَاعه إياه باللفظ كالقرآن، أو بلا لفظٍ كما