الباب الحادي عشر من أبواب الكتاب: باب الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وما يجري مجراها من التروك والتقريرات
  على ما تقدم من أن الصغائر لا تجوز عليه ÷ إلا خفية، (إلاَّ لدليل يدل على اختصاصه به دون أمته)، قيل: وذلك كتركه القسم لأراضي خيبر بين الغانمين.
  الصورة (الثالثة: تركه للقنوت في الفجر والتشهد الأوسط) في المغرب مثلاً (مرة) واحدة لا مراراً كثيرة، (لا يدل على عدم كونهما مشروعين، لاحتمال السهو) والغفلة، (لا) إذا كان تركهما (مع التكرار) مرة بعد أخرى (فيدل) بتركه (على ذلك) أي على كونهما غير مشروعين (فيهما) أي التشهد والقنوت، لأنهما لو كانا مشروعين لما أخل بهما.
  الصورة (الرابعة: تركه لشيء من الفروض) التي قد علم وجوبها (يدل على نسخه في حقه) إذ لا يمكن تقدير تركه لها جرأة، أما عند من يمنع المعاصي فظاهر، وأما عندنا فلوجوب خفية الصغيرة، (لا) أن تركه الفرض يدل على النسخ (في حق غيره)، إذ لو رفع عنهم ذلك الفعل لما سكت عن تبيينه، (إلاَّ أن يتركه الغير مع علمه) ÷ بالترك من ذلك الغير (وتقريره) له على الترك، فإنَّه حينئذ يدل على النسخ للفعل عن الجميع، إذ لو كان بقاؤه مستمراً لما سكت عن إنكاره.
  الصورة (الخامسة: ترك قطع من سرق دون قدر نصاب السرقة) بعد الأمر بقطع يد السارق، وإنما أراد بقدر في قوله قدر نصاب السرقة ليعم القيمي والنقد، إذ لو حذف لم يدخل إلاَّ النقد، والله أعلم، فماذا حاله (يدل على أنه لا قطع فيما دونه) لأن تركه يكون مخصصاً لعموم الآية، أو مبيناً لمجملها على اختلاف القولين، (فأما تركه قطع من سرق درعاً) قيمته النصاب فما فوق (فلا يدل على الترك فيها لجواز سقوطه) أي القطع (لشبهة دارئة) للحد.
  تنبيه:
  قال ابن أبي الخير: والتحقيق أنه إذا انضم إلى الفعل أو الترك قرينة تدل على المقصود منهما قطعاً فإرادته معلومة، أو ظناً فإرادته مظنونة، وإلا فالوقف.
  (وأقواله المتعلقة بالغير تأتي في الأخبار) إن شاء الله تعالى، وإنما أخرها إلى هناك؛ لأنها من الأقوال، وكلامنا في الأفعال، وبعضهم يقدمها هنا نظراً إلى أنها لما استلزمت أفعالاً بالجوارح وبالقلب منه صلى الله عليه، أو من غيره كما سيتضح له معناه إن شاء الله تعالى سببه، فكأنها من جهته، لأنه الباعث على فعلها ناسب ذكرها.