(فصل): [في حمل الفعل المتأسى به على العموم]
  (وقيل): هو (متعبد) قبل البعثة بشرع من شرائع الأنبياء، لمعنى كلف به من تعبد به أخذ به عقداً، (ثم اختلفوا): (فقيل): كان متعبداً (بشرع آدم)، (وقيل): بشرع (نوح)، (وقيل: إبراهيم)، (وقيل: موسى)، (وقيل: عيسى، وقيل: بما ثبت أنه شرع).
  (وتوقف الإمام) يحيى، (والشيخ) الحسن، (والباقلاني، وبعض الشافعية،) للتعارض، وهذه المسألة علمية لا يتعلق من العلم بها تكليف.
  لنا: لو كان مكلفاً بشريعة لوجب عليه الرجوع إلى علمائها وكتبها، ولو رجع لنقل، ولم ينقل.
  وأيضاً قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ}[الشورى: ٥٢]، يعني ما كنت تدري بذلك لو لم يوح إليك، فدل على أنه لم يكن متعبداً بشرع من قبلنا، إذ لو كان متعبداً بها لعلمها، ومراده تعالى بعدم عرفان الإيمان التصديق بالشرعيات والكتب المتضمنة لها، لا أن المراد بالإيمان التصديق بالربوبية والإقرار بالوحدانية، فهو ÷ كان منطوياً على ذلك من لدن كمال عقله، وهو ÷ لا بد أن يقوم من ذلك بالدلالة العقلية.
  قالوا: ورد في الأحاديث أنه كان يتعبد، وكان يتحنث، أي يعتزل للعبادة، كان يصلي، كان يطوف، وكل واحد وإن كان آحادياً فإن المجموع متظافر على إثبات القدر المشترك، وتلك أعمال شرعية يعلم بالضرورة لمن يمارسها قصد الطاعة، وهو موافقة أمر الشارع، ولا يتصور من غير تعبد، فإن العقل بمجرده لا يحسنه.
  وأخرج البخاري، ومسلم، والموطأ، والترمذي، وأبو داود، عن عائشة ^، قالت: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله ÷ يصومه في الجاهلية، فلما قدم ÷ المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك عاشوراء).
  وأصحابنا يدفعون ذلك، بأنه لم يثبت علم شيء مما ذكرنا.
  (فأما بعد البعثة): (فعند أكثر أئمتنا، والجمهور) من المتكلمين، والمعتزلة كالغزالي والرازي: أنه لم يكن (متعبداً بشرع من قبله) بل أتى بشريعة مبتدأة.
  وقال (المؤيد) بالله، (وأبو طالب، والمنصور) بالله: (بل متعبد بكل شرائع من قبله إلاَّ ما نسخ، أو منع منه مانع).