الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الحادي عشر من أبواب الكتاب: باب الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وما يجري مجراها من التروك والتقريرات

صفحة 168 - الجزء 2

  لنا: وجوه أكثرها في المنع من التعبد بها على جهة الأخذ من كتبهم، ومنها ما يمنع من التعبد بها وإن تواتر الفعل بها، أو جاءت في كتابنا، أو جاءت على لسان الرسول ÷، أو كانت مأخوذة من كتبهم السالفة:

  فمن الضرب الأول وجوه: منها: أنه لو كان متعبداً بالرجوع إلى الكتب السالفة لكان عليه الرجوع فيما دهمه من الحوادث إليها، وألَّا ينتظر الوحي، ومعلوم خلافه لوجهين:

  أحدهما: أن ذلك لو كان لنقل نقلاً متواتراً.

  الثاني: أن المعلوم منه خلاف ذلك، فإن المأثور أنه # رأى عمراً يطالع في ورقة من التوراة فغضب حتى احمرت وجنتاه وقال: «لو كان أخي موسى حياً لما وسعه إلاَّ اتباعي».

  ومنها: أن رجوعه إليها ينفر عن القبول عنه، ويلتفت إلى قبول ما في الكتب، إذ هي معتمدة.

  منها: أنه كان يلزمنا الرجوع إليها، إذ المأخوذ علينا التأسي به، وفي علمنا بأنه ما رجع أحد من الخلف والسلف إليها دليل على أن ذلك غير متعبد به.

  ومنها: لو كان كذلك لكان حفظ الكتب المنزلة، وما لم ينسخ عنها منها فرض على الكفاية كسائر العلوم الدينية.

  ومنها: أنه # حين بعث معاذاً إلى اليمن وقال له: «بم تحكم؟» قال: بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد»، قال: بسنة رسول الله؟ قال: «فإن لم تجد»؟ قال: أجتهد رأيي، صوبه رسول الله ÷، ولو كان متعبداً بجميع الكتب كما كان متعبداً بالكتاب لم يكن له أن يقرره على العمل باجتهاد نفسه حتى ينظر في التوراة، والإنجيل.

  قالوا: اتفقت العلماء على الاستدلال بقوله تعالى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}⁣[المائدة: ٤٥]، على وجوب القصاص في ديننا، ولولا أنه متعبد بشرع من قبله لما صح الاستدلال بكون القصاص واجباً في دين بني إسرائيل على كونه واجباً في دينه، وأيضاً فإنَّه صلى الله عليه قال «من نام عن صلاته أو نسيها فليصليها إذا ذكرها» وتلا قوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ١٤}⁣[طه: ١٤]، وهي مقولة لموسى، وسياق هذا الكلام يدل على الاستدلال بقوله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ١٤} على أن عند التذكر تجب الصلاة، وإلا لم يكن لتلاوته فائدة، وذلك دلالة الإيماء، ولو لم يكن هو وأمته متعبدين بما كان موسى متعبداً في دينه لما صح الاستدلال.