الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الحادي عشر من أبواب الكتاب: باب الأفعال الصادرة من النبي صلى الله عليه وآله وما يجري مجراها من التروك والتقريرات

صفحة 169 - الجزء 2

  قلنا: نحن نسلم أن ما حكاه الله من غير إنكار ولا نسخ ولا خصوص أنه متعبد به، وهذا من هذا القبيل.

  (وتوقف أبو طالب، والشيخ) الحسن، (وجمهور المتكلمين، والفقهاء، في كونه) ÷ (طاف وسعى وذكى قبل البعثة) فلم يقطعوا بشيء، وبنوا على التردد.

  وذكر القاضي عبد الله أن أبا طالب والشيخ قولهما: يقرب من قول أبي رشيد.

  (وقطع أبو رشيد أنه لم يفعل) شيئاً مما ذكرنا؛ لأن الطواف والسعي قبيحان عقلاً لولا ورد الشرع بذلك، فكذلك التذكية.

  قلنا: يجوز أن يعلم ذلك من شرع من قبله فلا وجه للقطع.

  وقطع (المنصور) بالله، (وأئمة الأثر) كابن هشام، وابن الأثير، (وأبو علي) في رواية عنه: (أنه فعل) وأنه كان يعلم ذلك من دين المرسلين.

  قال: لأن المعلوم من حال قريش تعظيم البيت، ولبني هاشم في ذلك اليد الطولى، فلو لم يشهر بالطيافة حوله لنقصه المشركون بذلك، ومعلوم أنهم لم ينقصوه بشيء من ذلك.

  وقال: لولا ورود الشرع ولم يكن حينئذ متعبداً بشرع لما ذكى ولا ركب؛ لأن في التذكية والركوب إيلام الحيوان، والعقل لا يحسن مضرة الحيوان لأمر يعود عليه نفعه بغير اختيار، إلاَّ حيث النفع يختار كل عاقل نزول الضرر به لأجله، وهو بمعزل عما نحن فيه، بل ذلك ضرر محض لا يعود به على شيء من النفع، فيثبت قبحه، ولا يجوز على الأنبياء الإقدام على ما علموا قبحه.

  قلنا: لا دليل قاطع على الإثبات، والقطع به محل النزاع، سلمنا فقد يحسن الطواف، وكذا السعي إذا كان هناك غرض، وقد كان الغرض دفع الذم من قومه، والعقل قاضٍ بذلك، فلعله فعل ذلك لهذا الغرض، وقد ينقض هذا ما سبق في مسألة التعبد قبل البعثة، إذا كان مقتضى هذا التوقف، ثمّ كما كان هنا والمخالف يجيب عما ذكره الأصحاب هنا، بما سلف هناك.

  فإن قيل: فقد كان ÷ يركب البهائم، وفي ذلك إيلامها، وعلم أن العقل يقبحه، فلولا أنه عرف قبحه، وتنزيه الأنبياء عن مثل ذلك واجب.

  قلنا: قد ذكر أبو هاشم أن ركوبها يستحسن لنفعها من العلف والسقي وغير ذلك، فكان فعله لهذا الغرض.