الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في معنى الخبر]

صفحة 174 - الجزء 2

  ولا خفاء أنه لا يرد عليه مثل قم يا زيد كما توهم بعضهم؛ لأنه لا يفيد إثبات القيام لزيد، وليس يدل بنفسه وبحسب وضعه على إثبات الطلب للمتكلم؛ لأنه عقلي.

  وهو وإن عرَّف الكلام بأنه المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة، واحترز بالمسموعة عن المكتوبة، وبالمتميزة عن أصوات الطيور، فلا يرد عليه قائم في زيد قائم، وإن أفاد نسبة القيام إلى ضمير زيد إثباتاً؛ لأنه لم يفدها بنفسه وبحسب الوضع، بل بواسطة الموضوع الذي هو زيد.

  وأجود من هذا الحدود أن يقال: (هو الكلام المحكوم فيه بنسبة خارجية) هكذا حده ابن الحاجب قال - ما معناه -: ونعني بالخارج: ما هو خارج عن الكلام النفسي المدلول عليه ذلك اللفظ.

  فلا يرد قم، لأن مدلوله الطلب بنسبة وهو المعنى القائم بالنفس من غير أن يشعر بأن له متعلقاً واقعاً في الخارج، وهذا بخلاف طلبت القيام؛ لأنه يدل على الحكم بنسبة الطلب إلى المتكلم، وله مطابق خارجي، وهو قيام الطلب بالمتكلم.

  والنسبة الخارجية هي (في أحد الأزمنة الثلاثة) التي هي الحال والماضي والإستقبال، وسواء كانت تلك النسبة الخارجية مطابقة لما يدل عليه اللفظ، بأن يكونا ثبوتيين، أو سلبيين، أو غير مطابقة بأن يكون أحدهما ثبوتاً والآخر سلباً.

  وأنت تعلم أن زيادة قوله في أحد الأزمنة إلى هنا للتوضيح لا للإحتراز إذ قد خرج الإنشاء من قوله بنسبة خارجية، إذ المتكلم لم يقصد الحكم فيه بنسبة خارجية، وإنما هو طلب فعل أو ترك.

  (والإنشاء) في اللغة يقصد رأساً، وفي الاصطلاح (نقيضه) أي نقيض الخبر، فهو ما لا يشعر بأن لمدلوله متعلقاً خارجياً.

  (وقيل: يمتنع) حد الخبر، (ثم اختلفوا) في علة الامتناع:

  (فقيل): لا يحد (لعسره) أي لعسر تحديده على الوجه الحقيقي بعبارة جامعة للجنس والفصل؛ لأن ذلك متعسر في أكثر الأشياء بل في أكثر المدركات الحسية، فكيف بالإدراكات.

  (وقيل: لجلائه) لأنه ضروري من وجهين:

  أحدهما: أن كل واحد يعلم أنه موجود، وهذا خبر خاص، وإذا كان الخبر المفيد ضرورياً فالخبر المطلق الذي هو جزؤه أولى أن يكون ضرورياً.