(فصل): [في قسمة الخبر]
  قال (أئمتنا والجمهور) من العلماء (وينحصر) الخبر (فيهما) أي في الصدق والكذب، فلا واسطة بينهما.
  (ثم اختلفوا) بعد القول بالانحصار فيهما (في تفسيرهما):
  (فالأكثر) من العلماء (على أن الصدق: هو المطابق للواقع) وهو الخارج الذي يكون نسبه الكلام الخبري، وتلك المطابقة (إثباتاً أو نفياً سواء اعتقد المخبر مطابقته أو لا) يعتقد مطابقته.
  (والكذب: غير المطابق فيهما) أي في النفي والإثبات (سواء اعتقد كونه غير مطابق أو لا) يعتقد مطابقته.
  بيان ذلك: أن الكلام الذي دل على نسبته بين شيئين، إما بالثبوت بأن هذا ذاك، أو بالنفي بأن هذا ليس ذاك، فمع قطع النظر عما في الذهن من النسبة لا بد وأن يكون بينهما نسبة ثبوتية أو سلبية؛ لأنه إما أن يكون هذا ذاك أو لم يكن، فمطابقة هذه النسبة الحاصلة في الذهن المفهومة من الكلام لتلك النسبة الواقعة الخارجة بأن يكون ثبوتيين أو سلبيين صدق وعدمها كذب، وهذا معنى مطابقة الكلام الواقع للخارج، وما في نفس الأمر، فإذا قلت أبيع وأردت به الإخبار الحالي فلا بد له من وقوع مع خارج حاصل بغير هذا اللفظ بقصد مطابقته لذلك الخارج، بخلاف بعت الإنشائي، فإنَّه لا خارج له يقصد مطابقته، بل البيع حصل في الحال بهذا اللفظ، وهذا اللفظ موجد له، ولا يقدح في ذلك أن النسبة في الأمور الاعتبارية دون الخارجية للفرق الظاهر بين قولنا القيام حاصل لزيد في الخارج، وحصول القيام له أمر متحقق موجود في الخارج، فإنا لو قطعنا النظر عن إدراك الذهن وحكمه فالقيام حاصل له، وهذا معنى وجود النسبة الخارجية.
  ولنا على ذلك أدلة:
  الأول: قوله تعالى: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ١٨}[المجادلة: ١٨]، فأكذبهم في مقالتهم مع اعتقادهم أنهم غير كاذبين.
  والثاني: قول عائشة: (فلان يكذب ولا يعلم انه يكذب)، ونقل عن غيرها من أهل اللغة.
  والثالث: أن أهل اللغة إذا أخبروا بشيء نظروا إلى المخبر عنه، فإن كان كما تناوله الخبر سموه صدقاً، والمخبر صادقاً، ومتى كان على خلافٍ ما يتناوله سموه كذباً، وللمخبر به كاذباً من غير نظر منهم إلى حال المحدث في الاعتقاد.