الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار
  الرابع: أن المعلوم من ضرورة الدين كذب الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم فيما يخبرون به من الأديان والضلالات التي هم عليها، وإن كان الأكثر منهم يعتقد الصواب.
  وقال (النظام وموافقوه: بل الصدق المطابق لاعتقاد المخبر ولو) كان ذلك الاعتقاد (خطأ) غير مطابق للواقع، (والكذب مخالفه)، أي مخالفة اعتقاد المخبر (ولو صواباً، ولا عبرة فيهما بمطابقة الواقع وعدمها) فقول القائل: السماء تحتنا، معتقداً لذلك صدق، وقوله: السماء فوقنا، غير معتقد لذلك كذب، والواو في قوله (ولو خطأ) للحال، وقيل: للعطف، أي لو لم يكن خطأً ولو كان خطأً.
  قال سعد الدين: والمراد بالاعتقاد الحكم الذهني الجازم والراجح، فعم العلم، فهو حكم جازم، ولا يقبل التشكيك والاعتقاد المشهور، وهو حكم جازم يقبله، والظن وهو حكم بالطرف الراجح، فالخبر المعلوم والمعتقد والمظنون صادق، والموهوم كاذب، لأنه الحكم بخلاف الطرف الراجح، وأما المشكوك فلا يتحقق فيه الاعتقاد؛ لأن الشك عبارة عن تساوي الطرفين والتردد فيهما من غير ترجيح، فلا يكون صادقاً ولا كاذباً، وتثبت الواسطة، اللهم إلاَّ أن يقال: إذا انتفى الاعتقاد تحقق عدم المطابقة للاعتقاد، فيكون كاذباً لا يقال المشكوك ليس بخبر ليكون صادقاً أو كاذباً؛ لأنه لا حكم معه ولا تصديق، بل هو مجرد تصور كما صرح به أرباب العقول؛ لأنا نقول: لا حكم ولا تصديق للشاك، بمعنى أنه لم يدرك وقوع النسبة أو لا وقوعها، وذهنه لم يحكم بشيء من النفي والإثبات، لكنه إذا تلفظ بالجملة الخبرية وقال: زيد مثلاً مع الشك، فكلامه خبر لا محالة، بل إذا تيقن أن زيداً ليس في الدار، وقال زيد في الدار، فكلامه خبر لا محالة، وهذا ظاهر.
  وتمسك النظام: بقوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ١}[المنافقون: ١]، فإنَّه تعالى سجل عليهم بأنهم كاذبون في قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} مع أنه مطابق للواقع، فلو كان الصدق عبارة عن مطابقة الواقع لما صح هذا.
  وأجيب: بأن المعنى لكاذبون في الشهادة وادعائهم فيها المواطأة، فالتكذيب راجع إلى قوله: {نَشْهَدُ} باعتبار تضمنه خبراً كاذباً، وهو أن شهادتنا هذه من صميم القلب وخلوص الاعتقاد، بشهادة إن واللام والجملة الاسمية، ولا شك أنه غير مطابق للواقع؛ لأن المنافقين هم الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.