الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار

صفحة 178 - الجزء 2

  أو يكون التكذيب راجعاً إلى حَلِف المنافقين وزعمهم أنهم لم يقولوا: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حولِه؛ لما ذكر في صحيح البخاري عن زيد بن أرقم أنه قال: كنت في غزاة فسمعت عبد الله بن أبي بن سلول يقول: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولو رجعنا من عنده ليخرجن الأعز منها الأذل، فذكرت لعمي، فذكره لرسول الله ÷، فدعاني فحدثته، فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أبي وأصحابه، فحلفوا ما قالوا، فكذبني رسول الله ÷ وصدقه، فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قط، فجلست في البيت، فقال لي عمي: ما أردت إلاَّ أن كذبك رسول الله ومقتك، فأنزل الله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} فبعث إليّ النبي ÷ فقال: «إن الله قد صدقك يا زيد».

  وقال (الجاحظ: لا ينحصر) الخبر (فيهما) أي الصدق والكذب، قال (فالمطابق للواقع مع اعتقاد المطابقة صدق، وغير المطابق مع اعتقاد عدمها كذب)، فقد اعتبر ما اعتبره الجمهور والنظام جميعاً؛ لأن الجمهور اعتبروا مطابقة الواقع ومخالفته، والنظام مطابقة الاعتقاد ومخالفته.

  قال: (وما ليس كذلك) أي ليس مطابقاً لهما ولا مخالفاً لهما (وهو أربعة أقسام) المطابقة مع اعتقاد ألا مطابقة، وبدون الاعتقاد، وعدم المطابقة مع اعتقاد المطابقة، وبدون الاعتقاد، (فليس بصدقٍ ولا كذبٍ) لعدم وجدان حقيقتهما عنده.

  (وظاهر قول الهادي # في الكذب) في المظاهر (كقوله) إذ قال فيه: إنما هي كذبة كذبها، كذا في الحواشي، وفيها أيضاً: قال الهادي # في كتاب الجملة من المجموع، ما لفظه: ومن العلم بدين الله أن من يقصد أن يخبر بما يعلم أنه لم يكن فيقول إنه قد كان، أو بما يعلم أنه لا يكون فيقول إنه يكون أو قد كان، فهو كاذب، أو بما لا يعلم أو بما لا يعقل فهو جاهل، وإن الله من ذلك بريء. انتهى.

  قلت: وهذا منه # اختيار لمذهب الجاحظ في حقيقة الكذب.

  قلت: في مجرد إثبات الواسطة.

  (وهما بتفسير الجاحظ أخص من التفسيرين الأولين) لأنه اعتبر في كل منهما جميع الأمرين الذي اكتفوا بواحد منهما كما تقدم، فكل صدق عند الجاحظ صدق عند الجمهور والنظام، ولا ينعكس كلياً، وكذلك الكذب.