الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار
  عند من قال الصدق ما وافق الاعتقاد، وكذلك لا يحنث ولا تطلق عند من أثبت الواسطة حيث وافق أحدهما فقط، إذ ليس حينئذ بكذب بل واسطة.
  وعند من قال: إن الكذب ناقض للوضوء تظهر ثمرة الخلاف فيه، ولا يمكن أن يقال الناقض للوضوء ما خالف الاعتقاد، سواء طابق الواقع أو خالفه؛ لأن العلة في نقض الوضوء هو العصيان، والعصيان يثبت بمخالفة الاعتقاد، وذلك لأن ما كل معصية تنقض، إنما تنقض الكبيرة أو ما ورد الأثر بنقضها، وهذه معصية لم يرد الأثر بنقضها، لأنها غير الكذب، فهذا ما لاح لي على أصل الأصحاب من أن الكذب ناقض، والقول بأن مثل هذا ناقض سهو وغفلة عن حد الصدق والكذب، وعن الأصل المقرر أن ما كل معصية تنقص، بل الكبائر وما ورد الأثر بنقضه من المحتمل.
  (وقيل) الخلاف (لفظي)، والقائل بذلك ابن الحاجب والرازي بمعنى أن هذه اصطلاحات، ولا مشاحة فيها(١).
  (وتأول) ذلك سعد الدين في شرح العضد (بأن المراد أنه مبحثٌ لغوي) لا يتعلق بعلم الأصول كثير تعلق، إذ المقصود تحقيق المعنى الذي وضع لفظ الصدق والكذب بإزائه.
  (وقولهم محمد) ÷ (ومسيلمة) لعنه الله (صدَقَا أو كذَبا كذب على الأصح) من القولين لتضمنه إضافة الصدق والكذب إليهما جميعاً، وهو خلاف الواقع، وينزل منزلة قول القائل: كل شيء أسود.
  وقال القاضي: إن هذا ليس بصدق ولا كذب.
  وهو باطل لما تقدم من أنه لا واسطة بينهما.
  وقال أبو هاشم: إن هذا يجري مجرى خبرين، أحدهما خبر بصدق النبي ÷، والآخر بصدق مسيلمة، فكما لا يجوز أن يقال في مجموع خبرين مميزين أنهما صدق أو كذب، لجواز اختلافهما، فكذلك في هذا الكلام، وهو غير سديد؛ لأنه جملة واحدة تنزل منزلة قول القائل: زيد وعمرو في الدار(٢).
(١) لأنه لا قائل بنقل اللفظين عن معناهما اللغوي. تمت من حاشية النسخة (أ).
(٢) وقد ذكر المهدي أحمد بن يحيى لذلك وجهاً فقال: ومعناه: أن المخبر بزيد في الدار، معتقداً أنه ليس فيها وهو فيها، مخبر عن ظنه، فكأنه قال: أظن أن زيداً في الدا، وهذا مخالف للواقع لأنه ليس ظاناً لذلك، تمت من =