الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أقسام الخبر لأمور خارجية]

صفحة 182 - الجزء 2

  (والثاني) وهو ما علم كذبه (نقيض ما علم صدقه) مما صدقه ضروري بنفسه أو بغيره، أو نظري، فالخبر الذي يخالف ذلك - أعني يكون مضمونه خلاف مضمون ما علم صدقه - يكون معلوم الكذب قطعاً ضرورة كالإخبار بأن الواحد ضعف الاثنين، أو نظرياً كالإخبار بأن العالم قديم.

  (والثالث) وهو ما يحتمل الصدق والكذب (خبر الواحد، وهو مما لا يعلم صدقه ولا كذبه، وقد يظن صدقه كخبر العدل)؛ لأنه قلما يكذب، (أو) يظن (كذبه، كخبر الكذاب) لأنه نادر الصدق، (أو يشك) في صدقه وكذبه (كالمجهول) حاله إذا أخبر بشيء.

  (وقطع بعض الظاهرية بكذب كل خبر لا يعلم صدقه)، وهو غلط فاحش وتهافت عظيم، لكنه مبني على قاعدتهم من عدم العمل بما يفيد الظن، وليس المقصود بما لا يعلم صدقه بأي الطرق المتقدمة، بل بها وبغيرها كما سيأتي، فإنَّهم يجوزون حصول العلم بخبر الواحد، ولو بدون قرينة.

[تحريم الكذب على النبي ÷ وأسبابه]

  (و) اعلم أنه (قد كذب على نبئنا ÷ قطعاً) لما روي أنه قال: «سيكذب علي»، فإن كان قال ذلك فلا بد من وقوعه، وإلا فهو كذب، وقد يقال: لا دلالة في الحديث مع صحته على أن قد كذب عليه لجواز تأخره بعد، ولأن من الأخبار المنسوبة إليه ما هو معارض للدليل العقلي بحيث لا يقبل التأويل، فيعلم بذلك امتناع صدوره عنه.

  (و) اعلم أن الكذب عليه (سببه):

  (الإلحاد في الدين) لوضع الزنادقة أحاديث ليضلوا الناس بها، كعبد الكريم بن أبي العوجاء خال معن بن زائدة الذي أمر بضرب عنقه محمد بن سليمان بن علي أمير مكة، وهو الذي ادعى عند قتله أنه وضع أربعة آلاف حديث.

  ومثل بيان ابن سمعان النهدي من بني تميم الذي ادعى الإلهية، وقتله خالد القسري وحرقه بالنار، وقد روى العقيلي بسنده إلى حماد بن زيد قال: وضعت الزنادقة على رسول الله ÷ أربعة عشر ألف حديث.

  ومن ذلك ما روي أنه قيل له: يا رسول الله: مم ربنا؟، فقال: خلق خيلاً فأجراها فعرقت فخلق نفسه من ذلك العرق. تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً، وتنزه الرسول عما بهتوه به تنزيهاً كثيراً.