الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار

صفحة 184 - الجزء 2

  حنبل، وما سمعنا بهذا قط في حديث رسول الله ÷، فإن كان لا بد من الكذب فعلى غيرنا، فقال له: أنت يحيى بن معين، قال: نعم، قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، وما علمته إلاَّ هذه الساعة، فقال له يحيى: وكيف علمت أني أحمق، فقال: كأنه ليس في الدنيا غيركما أحمد ويحيى، قد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل غيرها. قال: فوضع أحمد كمه على وجهه، وقال: دعه يقول، فقام كالمستهزئ بهما.

  قال السيد عز الدين: وهؤلاء الذين يفعلون هذا قوم منسوبون إلى الزهد يحتسبون بذلك ويرونه قربة، وهم أعظم الناس ضرراً لثقة الناس بهم، وقبولهم منهم، ولذا قال يحيى بن سعيد القطان ما رأيت الصالحين أكذب منهم في الحديث، يريد بذلك والله أعلم، المنسوبين إلى الصلاح بغير علم يفرقون به بين ما يجوز لهم من الرواية وما لا يجوز.

  قال السيد عز الدين: ولكن الواضعين ممن نسب إلى الصلاح، وإن خفي حالهم على كثير من الناس، فإنَّه لم يخف عن جهابذة العلماء وضع الحديث، قال زين الدين: فمن أولئك الذين كانوا يكذبون حسبة وتقرباً إلى الله أبو عصمة نوح بن أبي مريم المروزي قاضي مرو، قال الحاكم: كذب [في] فضائل القرآن، روى الحاكم بسنده إلى أبي عمارة المروزي أنه قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة، وليس عند أصحاب عكرمة هذا، فقال إني: رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذا الحديث حسبة.

  وروى ابن حبان في مقدمة تاريخ الضعفاء عن ابن مهدي قال: قلت لميسرة بن عبد ربه من أين جئت بهذه الآحاديث، من قرأ كذا فله كذا، فقال: وضعتها أرغب الناس بها.

  قال زين الدين: وذكر الإمام أبو بكر محمد بن منصور السمعاني أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث فما لا يتعلق به حكم من الثواب والعقاب ترغيباً وزجراً، واستدلوا بما روي في بعض طرق الحديث: «من كذب علي متعمداً ليضل به الناس، فليتبوأ مقعده من النار»، وقال بعض المخذولين: إنما قال من كذب علي، ونحن نكذب له، ونقوي شرعه، نسأل الله السلامة، ومثلها لا يخفى جوابه، فإن الكذب على الله ورسوله معلوم تحريمه بالضرورة، وبالنسبة إلى الترغيب والترهيب بالاستدلال بمعلوم الكتاب والسنة والإجماع المعلوم قبل حدوث هؤلاء، فإن تكرر تلك