الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أقسام الخبر النبوي]

صفحة 187 - الجزء 2

  وهو ما انتفى فيه الشرطان المذكوران، وذلك (كالآحادي) فإنَّه ظني مطلقاً سواء كان نصاً أو ظاهراً، والمتواتر إذا كان عاماً على قول والمتلقى بالقبول كذلك.

  (والتواتر: لغة تتابع الأشياء مع تراخ بينهما) غير كثير وإلا عد منقطعاً، ولا قليل وإلا عد متصلاً مداركاً، مأخوذ من قوله تعالى {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} أي رسولاً بعد رسول بفترة بينهما، وكذا التواتر في المخبرين المراد به مجيئهم على غير الاتصال.

  (واصطلاحاً: خبر جماعة يحصل العلم بخبرهم) فقوله خبر جماعة: يخرج خبر الواحد والاثنين، وقوله: يحصل العلم بخبرهم، خرج ما لا يحصل العلم بخبرهم فقط، بل بغيره من القرائن الزائدة على ما لا ينفك الخبر عنه، فإن من القرائن ما يلزم الخبر ولا ينفك عنه، من أحوال في الخبر والمخبر عنه والمخبر والمخبَر، وكذلك يتفاوت عدد التواتر.

  ومنها: ما يزيد على ذلك من الأمور المنفصلة، عاديّة كانت كقد الجيب والصراخ وانتهاك حريم، أو عقلية كما في الأخبار بما علم صدقه ضرورة واستدلالاً، أو حسية كما في المخبر بعطشه.

  (ومنعت السُمَنيَّة) بضم السين وفتح الميم مع تخفيفه، قوم من عبدَة الأوثان، (من حصول العلم به لا الظن) فأجازوه (ثم اختلفوا) بعد منع حصول العلم به (فمنعه أكثرهم في الماضيات) كالأمم الماضية (والحاضرات) وهي ما كانت موجودة الآن كالإخبار عن مكة وبغداد ودمشق، (وأقلهم) منعه (في الماضيات فقط) دون الحاضرات، والذي حملهم على المنع من إفادته العلم الدفع له فقط عما يستدل به على الشرائع من الكتاب والسنة، ولا طريق إليهما إلاَّ النقل المتواتر، فأنكروا حصول العلم ليسدوا الطرق، وهو بهت وإلحاد في الدين، فإنا نجد من أنفسنا العلم الضروري بالبلاد النائية كمكة ومصر، والأمم الخالية كالأنبياء والصحابة، كما نجد العلم بالمحسوسات لا فرق بينهما لأمر يرجع إلى الجزم، وما ذلك إلاَّ بالأخبار قطعاً.

  وقد أورد عليه شكوك:

  منها: أنه كاجتماع الخلق الكثير على أكل الطعام الواحد، وأنه ممتنع عادة.

  ومنها: أنه يجوز الكذب على كل واحد، فيجوز على الجملة الكذب، إذ لا ينافى كذب الواحد كذب الآخرين قطعاً، ولأنها مركبة منها، بل هي نفس الآحاد، فإذا فرض كذب كل واحد فقد كذب الجميع قطعاً، ومع جوازه لا يحصل العلم.