الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في شروط الخبر المتواتر]

صفحة 190 - الجزء 2

  أولها: (تعدد المخبرين تعدداً يمنع اتفاقهم على الكذب وتواطئهم عليه) عادة لأجل أحوالهم من كثرة وغيرها، لا لمجرد كثرتهم، فما من عدد إلاَّ ويمكن منهم التواطؤ، ألا ترى أن عائشة لما مرت بالحوأب نبحتها كلابها في مخرجها على أمير المؤمنين، فهمت بالرجوع لأجل خبر كان ذكره لها ÷، فتمالأ عبد الله بن الزبير في أربعين رجلاً من خيار العسكر على الشهادة بأن الموضع ليس الحوأب بالحاء وإنما هو بالجيم، وهي أول شهادة زور وقعت في الإسلام، ولا شك أن الأربعين عدد كثير، وأن خبرهم تواتري حيث لم يكونوا على حال يجوز في مثلها التواطؤ أو الامتناع.

  (و) ثانيها: (استنادهم) فيما أخبروا به (إلى ضروري محسوس) أي مدرك بأحد الحواس الخمس، فإنَّه في مثل حدوث العالم لا يفيد قطعاً.

  (و) ثالثها: (عدم سبق العلم بالمخبر عنه للمخبر ضرورة) كأن ترى زيداً قائماً، ثم يتواتر لك ذلك، فليس التواتر طريقاً للمخبر إلى العلم، إذ يحصل بطريق أقوى، وهي المشاهدة.

  (و) رابعها: (استواء عددهم في الطرفين والوسط) وذلك الاستواء هو (في عدم النقص) لذلك العدد (عن أقل عدد يحصل العلم بخبرهم) فلو أخبر واحد ثم أخبر به بعد ذلك جمع عظيم كحديث «تمسكوا بالسبت أبداً»، فإنَّه لا يكون تواتراً.

  وأما أنه لا بد من إذا روى الحديث عشرة أن ينقله عنهم عشرة، فلا يشترط بل يكفي نقل خمسة عن عشرة، ونقل عشرة عن مائة، وليس المقصود إلاَّ كمال العدد، وقد سبق إلى بعض الأوهام أن مراد ابن الحاجب في ذكره هذا الشرط الاستواء في الحقيقة، وليس كذلك، بل إنما أراد ما ذكره السيد |.

  (ومعنى كونها) أي هذه المذكورة (شروطاً) في التواتر (عند من جعله ضرورياً أنه تعالى لا يخلقه) أي العلم الضروري (إلاَّ عندها) أي عند هذه الشروط، فهي كالنظر عند من يقول المعارف ضرورية، ويشترط النظر، فليست شرطاً في حصوله، بل إنما يفعله عندها، (بمجرى العادة) وهي أن الله قد أجراها أنه لا يخلق العلم الضروري إلاَّ عند الشرائط، وإن كان قادراً على إيجاده من غير شرائط، (وضابط العلم بحصولها) أي الشرائط (حصول العلم) بصدق الخبر المروي، وإذا علم ذلك عادة علم وجود الشرائط.