فصل: [في الخبر والإنشاء وغيرهما هل لها حكم تتميز به عن بعضها]
  زائداً على صورة الصفة، وكذلك إذا قال القائل لغيره: افعل، فإن هذا مرة يكون أمراً ومرة يكون تهديداً، فإذا كان أمراً فلا بد من شيء يقع به التمييز عن التهديد؛ إذ لو لم يكن هناك شيء لم تكن الصيغة بكونها أمراً أحق منها بكونها تهديداً، ثُمَّ ذلك الأمر لا يجوز أن يرجع إلى المتكلم بالصيغة، ولا إلى مجرد الصيغة وحدوثها، ولا إلى ما تناولته الصيغة، فليس إلاَّ أنَّ ذلك الأمر حكمٌ تميزت به الصيغة وهو كونها أمراً، وإنما بطل ذلك لأن حال ما ذكرنا مع الأمر والتهديد على سواء.
  والذي تلتبس الحال فيه أن يقال: الفصل: بينهما بأمرٍ هو إرادة المتكلم ما تناولته الصيغة كما ذهب إليه المنصور بالله وأبي الحسين وابن الملاحمي(١) وذلك لا يصح، أمَّا على مذهب الأشعريَّة فلعدم احتياج الأمر عندهم إلى الإرادة، وأمَّا على مذهبنا فلأنا نعلم أن للصيغة في نفسها حكماً إذا كانت أمراً بخلاف حكمها إذا كانت تهديداً، فيجب أن يكون الأمر الذي تميزت به راجع إليها في نفسها، وما ذكروه أمرٌ يتعلق بالمريد وما تناولته الصيغة، ولا يرجع إلى الصيغة بل هو بمعزلٍ عنها.
  احتج المنصور ومن معه: بأنَّ المعقول من كون الأمر أمراً أن الأمر أورد على صيغة افعل على جهة الاستعلاء، وغرضه أن يفعل المقول له الفعل، فلا يحكم للأمر بكونه أمراً فيعلل به.
  والدليل على ذلك: أن كل ما يرجع إلى الصيغة من كونها خطاباً، أو إلى محلها من كونِه جسماً، أو إلى الآمر من كونه مخاطِبَاً، وإلى المأمور من كونِه مخاطَباً، ينتقض بالتهديد ولا يعقل من الأمر إلا ما ذكرنا، وقد تقدم الرد عليهم.
  [احتج الشيخ: بأن قولنا محمد رسول الله لا ينصرف إلى ابن عبد الله دون غيره إلا بالإرادة، وهي إما أن تعلق بالمخبر عنه، أو بمجرد صفة الخبر، أو بغيرهما، أو بالصيغة على صفة، والثلاثة الأول باطلة:
  أما الأول: فلأنه قد يخبر عما لا يصح إرادته كالنافي والماضي والقديم.
  وأما الثاني: فلأن الصيغة مساو وضع محمد بن علي سواء.
  وأما الثالث: فتقدم العلقة، فتعين الرابع.
  وأجيب: بأن غايته إثبات صفة للخبر مطلقاً، وهو اتفاق، أو تحت نسبة صفة اعتبارية، وأما كونها وجودية كصفة الوجود مثلاً، فلا دليل، بل تم الدليل على الإنتفاء، وهو أنه لو كان للخبر
(١) محمود بن الملاحمي، من تلامذة القاضي عبد الجبار، توفي سنة (٥٣٢) هـ، ويقال له الخوارزمي.