الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [في أقسام المتواتر]

صفحة 198 - الجزء 2

  وفي الغايات في ذكر خبر الغدير أن الزيدية فيه فريقان، فريق يدعي تواتره وهو الظاهر من كلام أهل البيت، وفريق يدعي أنه متلقى بالقبول مجمع على صحته، معلوم دلالة ضرورة، وهم كثير من محققي الزيدية، قال: وهو الأقرب عندي.

  قلت: بل الأقرب الأول إذ طرقه أوضح من الشمس المنيرة، وبذلك قطع الإمام شرف الدين # في قوله:

  فهو الحديث اليقين الكون قد قطعت ... بكونه فرقة كان توهيه

  يعني بالفرقة الذهبي الناصبي وأتباعه، قال في تذكرته: أعتنى بحديث غدير خم محمد بن جرير الطبري، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، قال الذهبي بهرتني كثرة طرقه، فقطعت بوقوعه.

  وقال في بعض كتبه: صدر الحديث متواتر متيقن أن رسول الله قاله.

  قال ابن كثير: يعني: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، قال: وأما «وال من والاه وعاد من عاداه» فزيادة قوية الإسناد وصححها أبو زرعة، انتهى.

  وأما حديث المنزلة: فقد جود محمد بن منصور طرقه وذكرها، ولا شك أن حديث الغدير أكثر اشتهاراً، وإن كانا شهيرين.

  (ومتواتر معنى وفي لفظه اختلاف) بين الرواة (وهو ما اتفق عليه بتضمن) إذا كان ما اتفقوا عليه من الأمر المشترك داخلاً في الوقائع، (أو التزام) إذا كان المشترك خارجاً لازماً (عند اختلاف الوقائع) المروية، وذلك (كشجاعة علي) ¥ في حروبه، فإنَّه روي أنه هزم في خيبر كذا، وفعل في أحد كذا إلى غير ذلك، فإنَّه يدل بالالتزام على شجاعته، وهي القدر المشترك بينهما الذي اشتمل كل منها عليه، فيعلم وإن لم يعلم كل من تلك القضايا بعينه، (وجود حاتم) فيما يحكى أنه أعطى فرساً وإبلاً وثوباً، فإنَّه يتضمن جوده، وإن كان شيء من تلك الجزئيات لم يبلغ درجة القطع، [وإنما جعل هذا مثالاً للتضمن، لأن الجود لما كان إفادة ما يبتغى لا لعوض، كان جزءاً من كل إعطاء مخصوص، قيل: وهذا بالنظر إلى الظاهر وإلا فالجود صفة للنفس هي مبدأ تلك الإفادة]⁣(⁣١).

  والحاصل: أنه لا شيء من الوقائع بانفرادها تدل على الشجاعة والسخاء بمعنى حصول العلم بها منها، بل القدر المشترك بين الجزئيات، وهو الشجاعة والسخاء، وهو متواتر لا بمعنى أن شيئاً من


(١) ما بين القوسين ثابت من الأصل في النسخة الأصلية، وهو في هامش النسخة (أ) حاشية.