(فصل): [في حكم ما أخبربه واحد بحضرة ولم يكذب]
  الكتب الستة، فإن هذا أصل مرفوض إذ لم تلم كل الصحاح بكل صحيح، قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلاَّ ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول.
  وقال مسلم: ليس كل صحيح وضعته هنا، وإنما وضعت ما أجمعوا عليه، يعني ما تكاملت فيه شروط الصحة، فما كان فيه أحد هذه القيود (فكذب) على رسول الله ÷.
  أما الأول: فلأن خبر الجماعة تواتري، فأفاد العلم الضروري، وقد نصوا على كذب خبر الناقل، فلا جرم إن حكمنا بكذبه.
  وأما الثاني: فلأن الآحادي لو كان صدقاً مع فرض المصادمة وعدم صحة تأويل أحدهما لزم كذب القاطع، وأنه محال.
  وأما الثالث: فلقضاء العادة بكذب ناقله مع عدم وجدانه، وقيل لا يقطع بكذبه لتجويز العقل صدق ناقله، وهذا مفروض بعد استقرار الأخبار، أما قبل استقرارها كما في عصر الصحابة فيجوز أن يروي أحدهم ما ليس عند غيره كما نص عليه في المحصول.
  (وكذا) يقطع أن (خبرَ المنفرد بما تتوفر الدواعي إلى نقله) تواتراً (و) الحال أن (قد شاركه فيه) أي في متعلق ذلك لو صح وجوده (خلق كثير) كذبٌ.
  (خلافاً للإمامية والبكرية) وهم أصحاب بكر بن عبد الله في قولهم لا يقطع بكذبه، وقد قالت الإمامية بصدق ما رووه من النص على اثني عشر إماماً معينين بأسمائهم وأنسابهم، وكذلك البكرية في النص على إمامة أبي بكر.
  (والتوفر إما لتعلقه بالدين كأصول الشريعة) التي يعم التكليف بها عملاً وعلماً، أو علماً فقط من أصول الدين والصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها، (أو لغرابته كقتل الخطيب على المنبر) وانكشاف عورته وسقوط المؤذن من المنارة، فإن كلاً منهما غريب لكونه في محضر خلق كثير تتوفر دواعي كل منهم إلى نقله، (أو مجموعهما) أي الغرابة والتعلق (كمعارضة القرآن) بكلام يماثله أو يدانيه، (وظهور المعجز على مسيملة) لعنه الله، فإن كلاً منهما يتعلق بالأصول، وفي نقله غرابة.
  وإنما قطع بكذبه: لأنا لو جوزنا ذلك لجوزنا أن يكون بين بغداد والبصرة بلداً أعظم منهما مع أنه لم يخبر عنه، ولجوزنا أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام فرض علينا عشر صلوات لم تنقل، ولما كان ذلك باطلاً فكذا ما أدى إليه.