الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الثاني عشر من أبواب الكتاب: باب الأخبار

صفحة 205 - الجزء 2

  احتج المخالف: بأن الحوامل المقدرة على كتمان الأخبار كثيرة لا يمكن ضبطها فكيف يجزم بعدمها، ومع جوازها لا يحصل الجزم، ويدل عليه أمور:

  منها: أن النصارى لم ينقلوا كلام المسيح في المهد مع أنه مما تتوفر الدواعي إلى نقله.

  ومنها: أن كثيراً من الأمور الكثيرة الوقوع مما تعم به البلوى وتمس الحاجة إليه لم يتواتر، بل نقل آحاداً، ولذلك اختلف فيه كإفراد الإقامة وتثنيتها، وإفراد الحج عن العمرة وقرانه بها، وقراءة البسملة في الصلاة وتركها.

  قلنا: إن انتفاء الحامل يعلم بالعادة كما يعلم انتفاء الحامل على أكل طعام واحد.

  وأما كلام عيسى في المهد: فإن كان بحضرة خلق كثير فقد نقل قطعاً، فلو ثبت أنه لم ينقل فلقلة المشاهدين، فليس مما نحن فيه.

  وأما الفروع: فليست مما ذكرنا لعدم توفر الدواعي على نقلها، وإن سلم فإنما ينقل مثله ليعلمه من لا يعلمه، وذلك فيما لا يكون مستمراً يستغني عن نقله، وإن سلم فقد نقل الطرف الآخر المقابل أيضاً بناء على جواز الأمرين مثلاً كما نقل إفراد الإقامة نقل تثنيتها، وكما نقل إفراد الحج نقل قرانه، وكما نقل ترك البسملة نقل قراءتها، والخلاف ليس لعدم النقل تواتراً بل لعدم الظفر بترجيح أحد الطرفين.

  (و) إن قلت: لو كان النص على علي متواتراً لوجب تواتره؛ لأنه مما تعم به البلوى ولم يتواتر.

  قلنا: (ليس من ذلك) أي من خبر المنفرد بما تتوفر الدواعي إلى نقله (خبر الغدير والمنزلة لتواترهما لمن بحث) عنهما وفتش براقع السير، فإنَّه يجد رواتهما قد بلغوا فوق حد التواتر، وقد تقدم الكلام في حديث الغدير.

  وأما حديث المنزلة: فأخرجه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص.

  وأحمد والبزار عن أبي سعيد.

  والطبراني عن أسماء بنت قيس، وأم سلمة، وحبشي بن جنادة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة، وعلي، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، فهؤلاء أحد عشر صحابياً يحصل التواتر بخبر أقل منهم مع أن بعض المحدثين ادعى تواتر ما اتفقوا عليه الشيخان.

  (و) إن قلت: إن معجزات الرسول ÷ من الذي يتوفر الدواعي إلى نقله ولم ينقل إلينا شيء منها إلاَّ نقل آحاد فيلزم أن يقطع بكذبها لذلك.